كوابح الدول الفاشلة

غسان الشهابي

الناظر إلى الدول العربية سيجد أنَّ غالبيتها يترنَّح لا يكاد تحمله أرجله، وإن بتفاوت، لشدة ما تعانيه هذه الدول من تلبُّكات اقتصادية هيكلية في الأساس، استمرت لعقود دون القدرة على السيطرة عليها، عبر إيجاد الحلول للقفز من منظومة الفقر والعوز والخضوع للاستجداء حينا، وشروط المنظمات العالمية الجائرة، والتي لا تنتهي غالباً إلا بفوضَى اجتماعية وسياسية واقتصادية، وحركات تمرد وعصيان، وشراء المزيد من الآليات والقنابل المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي والحي لحشو الأفواه الجائعة بالمزيد من الموت.. كلها علامات على عدم قدرة الكثير من الدول العربية على الاستمرار من دون أمن هشّ؛ بما يدلُّ على فشل الأنظمة السائدة في الإدارة الصحيحة التي تضمن الحقوق الأساسية للمواطنين.

مصطلح "الدولة الفاشلة" الذي ظهر أيام الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون على يد نعوم تشومسكي، تم تقعيده وتطويره لأنه لم يكن "عبارة طارئة"، أو كتاب وضعه كاتبه وانتهى به الأمر على الأرفف، بل كان يمثل حقيقة واضحة تتعلق بالتعليم والأمن وزيادة عدد السكان بشكل منفلت، وسوء توزيع السكان، وما يسمى بالميراث العدائي بين الطوائف والقبائل والأعراق، وغياب الأسس المتكاملة للتنمية، والحركة السلبية للهجرات وفقدان الشرعية، وانعدام المساواة، والتدخلات المتعددة من الدول الخارجية في الشؤون الداخلية لإدارة دفة السياسات المختلفة...إلخ.

ومن المؤسف أنَّ الكثير من الأنظمة العربية تنكّبت طريق الإصلاحات الحقيقية والجذرية على الرغم من مزاولتها للسلطة لعشرات السنوات دون تغيير في شكل هذه الأنظمة أو بنيتها الأساسية؛ إذ لا يتغير فيها سوى الوجوه؛ مما يعني عدم الرغبة في الإصلاح، أو عدم القدرة، أو كليهما معاً، وكلا الأمرين يقود إلى المنزلقات المؤلمة التي نراها اليوم. فمهما تم تشغيله من أسطوانات مشروخة (وهو مصطلح لا يعرفه شباب اليوم) عن التمويل الخارجي، والتآمر، والطوابير الخامسة...وغيرها من تعابير طنانة، فإنه لا تكفي لوحدها أن تفتح صدراً للرصاص، أو تخدع عشرات الآلاف، ولا أن تموِّل مئات الآلاف... وإنما هو السحل المستمر لكرامة الفرد وعزته وأمنه وقدرته الاقتصادية وطموحه وسلامه مع جميع مكونات المجتمع وتحقيق أحلامه على أرضه دون أن يضطر للهجرة، وحصوله على العدل والمساواة تبعاً لما يبذله.

ومن المؤلم أن الكثير من الأنظمة العربية قد استبدلت الأصعب (الإصلاح السياسي والاقتصادي والتعليمي والاجتماعي والعدلي) بالمزيد من تدريع قوات مكافحة الشغب، حتى تحميها أثناء انكبابها على تقاسم ثروات الأوطان؛ لأنها لا تطيق أن تترك حتى الفتات ليقتات منه الناس، فتعود لتسترجعه بالضرائب والمكوس.

أبداً ليست هناك "فرصة أخيرة" أمام الأنظمة الحاكمة، بل هي فرصة مفتوحة لبدء الخطوات المضادّة للفشل، لكبح التدهور الكبير الذي يعمّ جُل المجتمعات، ومع ذلك، فإنها ليست فرصة مفتوحة إلى الأبد!