مرتضى بن حسن بن علي
تشير الأرقام المتوفرة إلى أن اجمالي العدد المسجل من الشركات ومن كل الفئات في نهاية شهر يوليو 2019 بلغ عدد 207417 شركة، كما بلغ إجمالي عدد القوى العاملة الوافدة في نفس الفترة 1863525 عاملا، ويشمل هذا العدد القوى العاملة بفئة الخدمات الخاصة والعاملة في المنازل والبيوت، والذي بلغ 240936، وعليه فقد بلغ عدد القوى العاملة الوافدة في فئة الأعمال التجارية عدد 1627587 عاملا، مقابل عدد 240396 من القوى العاملة الوطنية. وبلغت نسبة التعمين الإجمالية في نهاية شهر نوفمبر 2018 نسبة 13%، مقارنة مع نسبة 23% في محافظة مسقط وحدها. أما على مستوى الشركات من فئة الدرجة الأولى إلى الدرجة الممتازة، فقد بلغت نسبة التعمين نحو 28%.
وعند تحليل الأرقام، تبرز لنا صورة أخرى تبيِّن لنا بعض أوجه الخلل الموجودة. فقد بلغ عدد الشركات والمؤسسات من الدرجات العالمية والممتازة والاستشارية والأولى ٣١٤٢٤ أي بنسبة ١٥% من مجموع الشركات والمؤسسات المسجلة حتى تاريخ نهاية يوليو ٢٠١٩، والتي استوعبت ٢١٧٥٥٨ مواطنا، أي بنسبة 96.5% من مجموع القوى العاملة الوطنية. وفي المقابل، فإنَّ الشركات والمؤسسات من الفئة الثانية والثالثة والرابعة والتي بلغ عددها ١٧٥٩٨٥ أي بنسبة ٨٥% من مجموع الشركات والمؤسسات المسجلة في نهاية شهر يوليو ٢٠١٩، استوعبت نحو ٣.٥% من القوى العاملة الوطنية فقط، وهي في معظمها تأتي في خانة ما يسمى بالتجارة المستترة، ومساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي متواضعة، مقارنة مع قريناتها في عدد كبير من الدول الأخرى، والتي تستوعب ما بين 75-80% من القوى العاملة. كما أن مساهماتها في استيعاب القوى العاملة الوطنية متواضعة جدا، ومعظمها لا تدفع أية ضرائب للخزينة العامة للدولة، على الرغم من أنَّ بعضها تحقق فوائد كبيرة، ربما تفوق أرباح بعض الشركات الكبيرة.
في دول عديدة ومتزايدة، تلعب المؤسسات الصغيرة المتوسطة دورا مؤثرا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما لها مكانة متميزة ضمن أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعتبر من ضمن المحركات التي تُسهم في النمو الاقتصادي، وتوفير العديد من فرص العمل الضرورية لمواكبة الزيادة في قوة العمل.
وفي عُمان، المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بالكاد تلعب دورا في استيعاب القوة العاملة الوطنية، كما أنَّ دورها في رفد الاقتصاد بقيمة مضافة قليل، وهي في أغلبيتها الساحقة، مؤسسات خدمية وليست إنتاجية في الوقت الحاضر. وربما أن الكثيرين من مالكي هذه المؤسسات الكفلاء لا يعرفون الكثير عنها، وربما هم موظفون في الأجهزة الحكومية وحتى الخاصة وربما ان بعضهم مسجلون في قوائم الباحثين عن عمل، ويتسلمون مبالغ معينة من الملاك الحقيقيين الوافدين، بينما يأخذ الوافد كامل أرباحها. وعندما تتعرض المؤسسة لمشاكل مالية، يرى المواطن نفسه في قلب المشكلة. وهناك أمثلة على إفلاس عدد من المؤسسات وتحمل المالك العماني الكفيل النظري بعضا من التبعات على الأقل.
من الضروري بذل جهود عديدة لتصحيح أوضاعها وتنميتها واستدامتها، لكي تتمكن من الصمود والتطور. وفي الوقت الحالي، فإنَّ العديد منها يعاني من مشاكل ومعوقات متعددة، منها نقص القدرات والمهارات الإدارية لدى الملاك كفلاء تلك المؤسسات، كما أنها تعاني من المشاكل التمويلية وتفتقد للسجلات الحسابية المدققة، وعندما تلجأ إلى المصادر الخارجية للتمويل في حالة عدم كفاية مصادر التمويل الذاتية المتاحة لها، وهي الحالة السائدة، فإنَّ البنوك التجارية تتحذر من منحها القروض الائتمانية أو التسهيلات البنكية المتنوعة، ما لم تكن مضمونة فرديًّا بضمانات شخصية معروفة أو توفير الضمانات الأخرى التي تطالب بها البنوك، وحتى إن استطاعت تلك المؤسسات توفير الضمانات التي تطلبها البنوك التجارية، فإنَّها ستتحمل تكلفة مرتفعة للتمويل مما يرهق ميزانياتها ويستقطع من أرباحها الجزء الأكبر. ومن جهة أخرى، فلا توجد مؤسسات أو صناديق تنموية لدارسة أوضاعها أو تقديم الدعم لها.
وهناك أيضا المشاكل التمويلية الداخلية التي تواجه تلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، تتمثل في عدم وجود فصل بين الذمة المالية الخاصة بالفرد صاحب المشروع (أو الأفراد أصحاب المشروع) والذمة المالية الخاصة بالمشروع؛ مما يجعل الفرد يسمح لنفسه بالسحب من ميزانية المشروع لصالح تلبية احتياجاته الخاصة.
التجارب الدولية في مجال دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة متعددة وناجحة ومتوفرة، ومن الضروري الاستفادة من خبراتها وتجاربها. تقوم بنوك التنمية في تلك البلدان، بدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بشروط معينة ومحددة. كما تقوم البنوك الأخرى أيضا بمنحها قروضا بفائدة قليلة وثابتة، كما تقوم الجهات المالية والنقدية بوضع ودائع لدى البنوك، دون أخذ فوائد كبيرة حتى تقدر البنوك من منح تلك المؤسسات تمويلًا بفائدة قليلة. وبما أن البنوك تفضل عادة التعامل مع العملاء الكبار، تقوم البنوك المركزية بتشجيع البنوك التجارية لتعيين عدد من الموظفين المختصين القادرين على التعامل مع تلك المؤسسات، إضافة إلى إيجاد مؤسسة لضمان تلك القروض والتسهيلات.
ويذكُر تقرير مسح خريجي مؤسسات التعليم العالي للعامين 2015-2017، وجود مجموعة من التحديات التي تحد من نسبة زيادة رواد الأعمال؛ مما يؤدي لضعف الرغبة في امتلاكها؛ حيث أشار إلى أن نسبة رواد الأعمال من الخريجين ما زالت ضعيفة مقارنة مع أقرانهم من الدول الأخرى، ونسبة رغباتهم في امتلاك عملهم الخاص متدنية، لا سيما بين الإناث، كما أن الكثيرين من الخريجين من التعليم العالي، يفتقدون لمهارات اللغة الإنجليزية والمهارات التنظيمية والتحليلية؛ الأمر الذي يستوجب من مؤسسات التعليم العالي التركيز على تلك المهارات، إضافة لنشر ثقافة الريادة والإبداع بين الطلاب، خلال مرحلتي التعليم الأساسي والعالي؛ لدفع الشباب نحو العمل الحر، بجانب التركيز أيضا على تمكين المرأة كعنصر فاعل في النسيج الاقتصادي، والذي يجعل العمل الحر والتنمية أكثر مشاركة بين النساء والرجال. وتقوم الجهات المعنية في عدد من الدول بالتنسيق مع المؤسسات الفنية والتدريبية والتعليمية لتقديم دروس للراغبين في إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومن ضمنها تعليمهم كيفية مسك الدفاتر وتنظيم الحسابات وتحليلها، إضافة إلى الدعم الفني.
من جهة أخرى، ففي العديد من الدول التي سبقتنا، تُوجد مؤسسات صغيرة ومتوسطة تقوم بصناعة أو تجميع بعض السلع الصناعية. والشركات الصناعية الكبيرة عادة تتخلى عن عدد من مكونات التصنيع وإسنادها للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أو تتوقف عن استيراد بعض المكونات التي تستعملها وإسناد إنتاجها إلى تلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ مما يحقق لها وفرا أكبر في تكلفة الإنتاج وضمان جودة أكبر؛ لأن العملية تجري تحت إشرافها. كما تساعدها في القيام بالدراسات اللازمة وتوفير المعاينة الفنية والتكنولوجية والتسويقية. وهذه العملية تساعد تلك المؤسسات في الحصول على خبرات فنية وأسواق جاهزة وضمان في الحصول على مستحقاتها.
بتلك الطريقة، تتمكن تلك المؤسسات من النمو الصحي، وتوفير فرص العمل المجزية للعديد من الباحثين عن عمل، وإعطاء قيمة مضافة لمنتوجاتها، والمساهمة في تنمية الدخول وإعطاء قيمة مضافة للاقتصاد. كما أنَّ تلك المؤسسات تحصل مع مرور الوقت على مهارات تدريبية متطورة تساعدها على تطوير المشاريع والقيام بالتدريب المستمر للموظفين وتحسين أجورهم، ودفع حصتها من الضرائب والتحول تدريجيا إلى مؤسسات وشركات كبيرة.
appleorangeali@gmail.com