أولويات المُنتخبين الجُدد

د. عبدالله باحجاج

انتهى التنافس، وانتهت حمى الانتخابات وتجاذباتها وانقساماتها، ولا ينبغي التوقف عند قضايا صاحبت التصويت الإلكتروني في بعض المراكز، كالبطء وانقطاعات الإنترنت، وسوء التنظيم كما شاهدتُه في مركز مدرسة خولة على خلاف الفترات الانتخابية رغم أنَّ تجربتنا كفيلة بأن تجنبنا السلبيات التنظيمية الطارئة التي كان وراءها تقليص حجم الكوادر إلى النصف عن فترة الانتخابات السابقة، كما لن نتوقف عند التساؤلات التالية: هل كانت نتائج الانتخابات في سياق التوقعات أم لا؟ وهل انتصر فكر التعدد والتنوع أم كانت الغلبة للمحافظين؟

كلنا الآن مع ما أخرجته شرعية أجهزة التصويت في الانتخابات من نُخب عامة، تملك التفويض بالنيابة عن المجتمع، وبالتالي علينا الانتقال الآن إلى ما هو أهم، وهو التفكير مع الأعضاء الجُدد لرسم خارطة بالأولويات الوطنية لمُواجهة تحديات مرحلة مليئة بالتحديات الداخلية والخارجية.

فهناك أجندة لها الأولوية القصوى، وينبغي أن تتصدر اهتماماتهم خلال دورة الانعقاد الأولى، ويتم من خلالها اختراق الجمود الذي آلت إليه الأجندة خلال الفترة الثامنة السابقة، واختراقه – أي الجمود – يستعجله مستقبل الفترة التاسعة المُمتدة من 2020 إلى 2024، ودونها ستصطدم مساعيهم فوق صخرتها، وقبل التطرق لهذه الأجندة، هناك أولوية تفرض نفسها في نجاح الفترة التاسعة، كمُقدمة ضرورية للنجاح، وسيكون لها الانعكاس الإيجابي على تحقيق الأولويات العاجلة.

وهي ضرورة التفكير من الآن في اختيار رئيس مجلس الشورى ونائبيه بصورة عقلانية وبعيدًا عن المجاملات والاستهواءات، بمعايير موضوعية ومهنية، وفحص دقيق في ميكانزمات شخصيته وفي مدى أهليته الموضوعية لقيادة أعضاء مجلس الشورى لتحقيق أهدافهم وغاياتهم التي تؤطرها القوانين، لا أن يكون معرقلاً لها أو أن يكون عمله موازيا للعمل الحكومي، وهذا لا يعني أن يكون مخالفاً أو معارضاً كنهج عام، وإنما حسب ما تمليه عليه استحقاقاته التمثيلية في كلتا الحالتين، وهما، ممثلاً عن مجتمعه ورئيسا منتخبا من الأعضاء.

هذه مسألة ينبغي على الأعضاء الجُدد أن يولوها جل اهتمامهم من الآن، وبالتالي، عليهم أن يهجروا فورا فرحة الفوز، لأنَّ أمامهم استحقاقات وطنية كبرى، منها ما هو إجرائي، لا تقل أهمية عن ممارسة الصلاحيات التشريعية والرقابية، لذلك ينبغي التفكير فيها بشيء من العمق والتفكير المشترك والتضامن الجماعي، فقد آن الأوان لرئاسة ومجلس مكتب مجلس الشورى في فترته التاسعة أن يكون هاجسهم ضمن منظومة التمثيل المجتمعي وتمثيل الأعضاء، لأنَّ مصدر شرعيتها من هذين التمثيلين، ويفترض أن يكون ذلك ضمن الالتزامات والعهود الأخلاقية والمهنية.

وهذا مدخل سيكون من شأنه الأثر الإيجابي لتفكيك حلقات الجمود لثلاث قضايا أساسية عالقة منذ فترة زمنية، وكان يفترض أن تشهد خلال الفترة الثامنة السابقة انفراجات حقيقية، ويكون نجاح الفترة التاسعة الجديدة انعكاسا لها، غير أن هذا لم يتم، وهذا من بين كبرى إخفاقات الأعضاء السابقين.

والثلاث قضايا هي: استكمال استصدار اللائحة التنظيمية لمجلس الشورى، وقانون مجلس عُمان، والمحكمة الدستورية، ودون هذه القضايا الأساسية لا يمكننا الحديث عن نجاعة الفترة التاسعة، وستكون كغيرها من الفترات السابقة يتراوح النجاح فيها بين مد وجزر، علماً بأنَّ هذه القضايا قد قطعت فيها أشواطا كبيرة.. لو شهدت الفترة الماضية قليلاً من الحماس لكانت كبرى الإنجازات قد تحققت.

والأعضاء السابقون وكل مُتابع لهذه الملفات يدرك مدى أهمية تلكم القضايا، في نجاعة العمل الشوري في بلادنا خاصة والوطني عامة، فهي تحدد العلاقة الإلزامية بين مجلس الشورى والحكومة من جهة والعلاقة التكاملية بين مجلسي الشورى والدولة من جهة ثانية، عوضًا من جعلهما أي العلاقتين دون ضوابط قانونية تلزم أطرافهما، فالآن، ليس هناك ما يلزم الحكومة بالرد على مجلس الشورى في آجال زمنية إلزامية، فمتى أرادات فعلت، وإن لم تشأ تظل قضايا مجلس الشورى عالقة.

كما أنَّ الخلاف بشأن تفسير وتأويل القوانين بين مجلس الشورى والحكومة، يلقي بظلاله على مهمة الأعضاء، فلابد من هذه المحكمة أو الغرفة الدستورية للحكم في مدى دستورية القوانين وتفسيرها، ورغم وجود اللائحة التنظيمية الداخلية لمجلس الشورى إلا أنها لم تكتسب الصفة القانونية حتى الآن، فلم يتم نشرها في الجريدة الرسمية حتى الآن، لذلك، فإنَّ هناك إجراءات ضرورية ينبغي استكمالها حتى تنشر في الجريدة، وتصبح قانونا يُؤطر أداء ومهنية الأعضاء بصورة إلزامية.

وفي ظل استمرارية غياب مثل هذه التشريعات والمؤسسات الدستورية، فإنِّه لن يكون في صالح مرحلتنا الوطنية التي تتجه نحو إشراك المجتمع في تحمل أعباء مالية بصورة غير مسبوقة، وهذا كذلك ليس في صالح مرحلة تطبيق "رؤية 2040" التي تحتم رقابة مُستقلة فاعلة ومساهمة تشريعية من ممثلي المجتمع، من هنا ننصح الأعضاء الجدد، بأن يكون ذلك شغلهم الشاغل منذ أن تطأ أقدامهم عتبة المجلس.

ومن تلكم الاعتبارات، أردنا رفع مستوى الوعي السياسي للأعضاء الجدد بهذه القضايا العاجلة، حتى يكون دخولهم لمجلس الشورى مبنيًا على المعلوم بالضرورة العاجلة، عوضًا عن إغراقهم في زمن الاكتشاف الأهم والمهم أو في الإجراءات الإجرائية، مع نصيحتنا لهم بعدم فتح حواسهم لكل نصائح من سبقوهم، فهي لو كانت جديرة بالاقتداء لقادة أصحابها إلى نجاح تلكم القضايا، هناك تجارب فعلاً ناجحة يمكن فتح كل حواس الاستقبال لها، والاستفادة منها.

نبارك لكل الأعضاء الجُدد نيل الشرعية الاجتماعية من ولاياتهم، وقريبًا المُباركة السامية، والفترة التاسعة بسنواتها الأربع، ستكون شاهد عيان على مدى الوفاء لا نقول ببرامجهم الانتخابية، بل بالتزاماتهم لناخبيهم في التمثيل الاجتماعي الخالص وفي العمل الوطني المُخلص، وفي الدفاع عن مصالح المجتمع بعيدًا عن النفعية الخاصة، وأخيراً نُبارك لكل الجهود الحكومية على نجاح عملية الانتخابات التي أدخلت فيها التصويت الإلكتروني لأوَّل مرة رغم الملاحظات السابقة، ونقترح دراسة السلبيات المُصاحبة لها حتى يتم تفاديها في الاستحقاقات الانتخابية المُقبلة، فقرابة ساعتين حتى أنهيتُ عملية التصويت في مركز مدرسة خولة.