غواية شاعر

محمد علي العوض

 

ما إن تُذكر غواية الشعراء ومجونهم أو مغامراتهم العاطفية حتى يذكر امرؤ القيس على رأس هذه القائمة، علمًا بأنّ أبا نواس، ومطيع بن إياس، وحماد عجرد، وبشار بن برد، ووالبة بن الحباب الذي يقول أنّه ينكح جلاسه كانوا ماجنين في شعرهم أكثر من الملك الضليل، لكن ربما ركز النّاس على امرئ القيس لسبقه الناس بحسن سبكه وبديع تصويره؛ فما سئل عن أشعر الشعراء إلا وكان امرؤ القيس أول من تشخص إليه الأبصار.

وقد وردت معظم غواياته في قصيدة "قفا نبك" التي تعد أشهر قصيدة قيلت في الشعر العربي كله، وعدت مرجعًا وحقلا وديوان شعر قائم بذاته عكف الناس على تدارسه على مرّ الزمان.

وتقول كتب الأدب وتحكي المعلقة أن امرأ القيس كان عاشقاً لابنة عمه عنيزة، وأنّ امرأ القيس طلب وصالها مدة طويلة من الزمن إلا أنه لم يصل إليها حتى كان ذلك اليوم الذي خرجت فيه القبيلة برجالها ونسائها إلى الغدير لتسقي بهائمها وأبلها، وبالفعل سقت القبيلة ورجع الرجال إلى مضاربهم يسوقون أمامهم البهائم وتركوا النسوة خلفهم يغتسلن بماء الغدير.. تقول الحكاية إنّ امرأ القيس استغل الموقف ورآه فرصة سانحة للاختلاء بمحبوبته عنيزة أملا في أن يحظى ببعض الوصال بعد أن أدمى الصد قلبه وأضناه؛ فربط بعيره وكمن في مكان قصي يراقب الموقف.

 

ألا ربَّ يومٍ لك مِنْهُنَّ صالح

ولا سيّما يومٍ بدارَة جُلْجُلِ

 

وصادف أن اقترحت إحدى النسوة على صويحباتها بأن يرمين بأنفسهن في الغدير ليبتردن من حر ذلك اليوم، فوافق الجميع على ذلك فنحين العبيد جانباً ثم نزلن إلى الماء. وبعض أن ضمن امرؤ القيس أنّ جميع النسوة نزلن إلى الغدير جاء متلصصًا وجمع ثيابهن وجلس عليها، فلما اكتشفت الفتيات أن امرأ القيس جمع كل ثيابهن ولم يعد باستطاعتهن الخروج إلا عاريات طالبنه واستحلفنه بأن يرمي إليهن ثيابهن، فأبى أن يلبي طلبهن وقال والله لا أعطي جارية منكن ثيابها ولو قضت يومها كله حتى تخرج متجردة فأراها مقبلة ومدبرة ثم تأتي لتأخذ ثوبها.

بالطبع رفضت النسوة غواية امرئ القيس، وظللن على رفضهن ساعة من الزمن، بعدها خشين أن يتأخرن ويقضين يومهن خارج الديار فخرجن جميعهن إلا ابنة عمه عنيزة، فناشدته الله أن يلقي إليها بثيابها لكنّ أمرأ القيس رفض ذلك، وحينما استيأست من استعطافه خرجت فنطر إليها ابن عمها مقبلة ومدبرة، وأقبلت الفتيات عليه يلمنه على ما فعل بهن وقلن له: لقد عذّبتنا وحبستنا وأجعتنا.

فقال لهن: فإن نحرت لكُنّ ناقتي أتأكلن منها؛ فقلن: نعم.

 

ويوم عقرتُ للعذارى مطيّتي

فيا عَجَباً من كورِها المُتَحَمَّلِ

وبالفعل جرّد امرؤ القيس سيفه فعقر ناقته ونحرها ثمّ كشطها – أي سلخها- وأمر الخدم بأن يجمع حطبا كثيرا، فأشعلت الفتيات ناراً عظيمة، فجعل امرؤ القيس يقطع أطايب اللحم ويلقي به على الجمر حتى يصبح شواء والفتيات ويأكلن ويأكل معهن ويشرب من بقية خمر كانت معه ويسقيهن ويرمى إلى العبيد من الكباب.

فظلَّ العذارى يرتمينَ بلحمها

وشحمٍ كهداب الدمقس المفتل

 

فلما أرادوا الرحيل قالت إحداهن: أنا أحمل طنفسته – أي بساطه. وقالت الأخرى: أنا أحمل رَحله -أي ما يحمله معه في ناقته-  فاقتسمن متاعه وزاده. وبقيت عنيزة لم تحمل له شيئاً. فقال لها: يا ابنة العم لا بد أن تحمليني معك فإنّي لا أطيق المشي. فحملته على غارب بعيرها – أي أمامها فالغارب في البعير يقع ما بين السَّنام والعُنق؛ فكان امرؤ القيس يميل إليها فيدخل رأسه في خدرها - هودجها فيقبلها؛ فإذا امتنعت مال نحوها فتقول له عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل..

وعقر البعير جرحه ويقال عقر السَّرج الظّهر: أي جَرَحَهُ، والمعنى أنّ عدم ثبات الهودج وميلانه بسبب حركتك سيجرح ظهر بعير فرجاء انزل.

ويوم دخلتُ الخدرِ خدر عنيزة

فقالت لك الويلات إنكَ مُرجلي

تقولُ وقد مالَ الغَبيطُ بنا معاً

عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزلِ

فقُلتُ لها سيري وأرْخي زِمامَهُ

ولا تُبعديني من جناك المعللِ

 

ويمضي امرؤ القيس في استعراض فحولته أمام ابنة عمه عنيزة، ويقدِّم كما يقول إبراهيم أبو عواد دليلاً تاريخياً على قوَّته العاطفية، ومدى تأثيره في النساء، وسيطرته عليهن بسبب ما يمتلكه من قوة روحية ومادية، ومواهب تجذب الجنسَ الآخر إليه، ولا يَخجل من كشف أوراقه، وإظهار تفاصيل مغامراته مع امرأتين؛ إحداهما حبلى والأخرى مرضع بقوله:

 

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي تمائم مُحْوِلِ