عراق

غسان الشهابي

هل غريب ما يحدث في العراق اليوم؟ قد يكون غريبًا إذا استمرت الاحتجاجات مع كمية القمع الهائلة التي تواجه بها. ولن تكون غريبة رُدود الفعل من قبل الشعوب والحكومات العربية.. فالحكومات غالباً ما تنتظر من ستؤول إليه الأمور وتبارك له.. أما الشعوب، فلقَد انقسمت بين من يُؤيد الحكم الحالي في العراق بالمحاصصة والتغلغل الإيراني، فيمقُت المظاهرات وينعتها بالعمالة والخيانة، وأنه لو قُلنا ما قُلنا في الفساد لكن يجب ألا ينزل الناس إلى الشوارع، وبطبيعة الحال فإن شعارات التمويل والتدخل الخارجي جاهزة. وفي المقابل، هناك من يمقُت كل ما سبق ذكره، ويقف في الغالب موقفاً مذهبياً من ذلك، ويريد أن تستمر الاحتجاجات إلى أن يسقط النظام، بصرف النظر عن عدد من يسقط في سبيل ذلك من المتظاهرين العزّل.

إنَّه لمن الغريب أن تتأخَّر التحرُّكات الشعبية إلى هذا الوقت، وإن حصلت تحرُّكات في السابق في أوقات متفرقة، ومجموعات أقل؛ لأنَّ ما حدث في العراق منذ الإطاحة بالنظام السابق إلى اليوم، أشبه بالخرافات من حيث كمِّ الفساد الذي لا حدَّ له، بل وخلع "بُرقع الحياء" بين الفاسدين لكثرة ما انتشر؛ فمِن مَن سيخجلون ويستحون وجميعهم يغرفون من مال الناس بإجرام لم يسبق أن رأى العالم مثله، حتى تبخرت مئات المليارات من الدولارات في السنوات الستة عشرة الماضية، في بلد هو الرابع في إنتاج النفط الخام في العالم بينما أهله يعيشون بكهرباء عرجاء، ومساكن شوهاء، وبنى أساسية لا تكاد تُنافس إلا الدول الفقيرة، ويعانون الفقر والعوز، وهم يقرأون التقارير التي تتحدث عن هذا الحجم من الفساد، دون أن يكلف المسؤولون أنفسهم حتى نفيها!

ليس نقد الحاضر يعني بالضرورة الترحّم على الماضي؛ فالماضي العراقي (بعثيًّا) لم يكُن مشرقاً أبداً، وما كان مشرفاً من عِدَّة نواح وتأتي في مقدمتها الجوانب الحقوقية والحريات، ولكن كانت هناك كفايات في البنى الأساسية والخدمات التي ما كانت لتصل إلى هذا السوء، على الرغم من توجيه مقدرات الدولة للإنتاج الحربي وخدمة الحزب وعناصره في المقام الأول، إلا أن فشل الحكومات المتتالية في إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه بعد حرب الولايات المتحدة على العراق في 2003، كان يعني أنَّ هناك انشغالات أخرى أَلْهَت الحكومات عن رأب التصدعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لأنها انشغلت برأب جوع قديم لا يشبع من أناس تضخَّمُوا وصغُرت في أعينهم الأوطان.

 

* كاتب بحريني