ماذا بعد ملتقى صلالة للأثرياء

 

د. عبدالله باحجاج

هل استوفى ملتقى صلالة للمسؤولية الاجتماعية كل مرئياته الاستشرافية لمُستقبل جديد للمسؤولية الاجتماعية للشركات أم أنَّه يحتاج لجلسة عصف ذهنية نخبوية لتعميق النقاشات في توصيات هذا الملتقى التي خرجت في بيانه الختامي؟

من خلال مشاركتنا في هذا الحدث، وإدراكنا العميق لطبيعة مرحلتنا الوطنية الجديدة، نُرجح تغليب الجزئية الثانية من التساؤل، وهذا ما اقترحناه على رئيس فرع غرفة تجارة وصناعة عمان بظفار، ووعدنا بالقيام بذلك قبل أن يرفع بيان صلالة إلى مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار لتبنيه كمشروع لمسؤولية اجتماعية جديدة للشركات.

وجلسة العصف الذهنية النخبوية، تحتمها عملية استكمال خارطة الرؤى للمسؤولية الاجتماعية المستدامة للشركات ورجال الأعمال بعد أن قدمت الشركات الكبيرة والأكاديميون مرئياتهم في ملتقى الأثرياء الذي عُقد بمشاركة نسائية لافتة- كماً ونوعًا- لأننا من خلال الدعوة إلى هذه الجلسة، نستهدف في المقابل استدامة الرضا الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية، فالملتقى استهدف استدامة المسؤولية الاجتماعية للشركات من منظور ما يستوجب من الحكومة القيام به تجاهها، لذلك ركزت الشركات في الملتقى على مطالب وتسهيلات تحفيزية إضافية لها من قبل الحكومة.

ولقد كان الغائب الحاضر في الملتقى الصوت الاجتماعي المحلي، باستثناء فريق الأيادي البيضاء الذي شارك في النقاشات، لكنه صوت لم ينفذ للملأ، لتعالي أصوات الشركات والجانب الحكومي في النقاشات والأوراق التي سبقتها، لذلك، نرى أن الخطوة المقبلة ينبغي أن تذهب نحو ملامسة الرضا الاجتماعي للشركات الكبيرة، وهذا الرضا ينبغي أن يشكل هاجس مرحلتنا الوطنية المقبلة.

فبدون أن تكسب الشركات الكبيرة محيطها الاجتماعي، فستواجه مجموعة إشكاليات في عصر الجبايات، وذاك على اعتبار أنها- أي الشركات- قد مُنحت الأراضي والتسهيلات والامتيازات، وشُقت لها الطرق وجهزت لها الموانئ البرية البحرية والجوية.. وتعايش المواطنون مع ضجيج آلياتها وملوثاتها البيئية وانعكاساتها على صحتهم، مقابل ماذا؟!

من هنا تثار استدامة الرضا الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية للشركات في عصر الجبايات، ولماذا هذا العصر؟ لأنَّ جيب المواطن قد أصبح مصدرا من مصادر تمويل موازنة الدولة بعد أن تبنت الحكومة نظاما ضريبيا متكاملا وتبنت سياسة فرض الرسوم على الخدمات بعد ما كانت مجانية، وقررت رفع الدعم تدريجياً، مما انكشفت أوضاع المجتمع فجأة، ومعها أصبح لازماً أن تكون طبيعة الدولة العمانية المعاصرة مكونة من ثلاثة قطاعات أساسية، هي القطاع العام، والقطاع الخاص، وقطاع مؤسسات المجتمع المدني.

هذا هو الشكل الهندسي الحتمي لماهية دولتنا المعاصرة إذا ما أردنا نجاح تحولاتها الجديدة وفق استقرار اجتماعي دائم، فبالتالي لا ينبغي أن تقدم المسؤولية الاجتماعية للشركات على أنها بديلة أو منافسة للمسؤولية الاجتماعية للحكومة، كما اتضح لنا في الملتقى من خلال طروحات شركات كبيرة، وإنما التكامل معها، والعمل في المجالات التنموية التي لا تدخل من ضمن واجبات الحكومة تجاه مجتمعها، وقد لاحظنا في الملتقى خلطا وتداخلا بين مسؤولية الشركات الاجتماعية ومسؤولية الحكومة الاجتماعية.

فعندما تقدم الشركات على إقامة مستشفى أو مدرسة أو طريق... إلخ فهذا يدخل من ضمن مسؤولية الحكومة وليس ضمن المسؤولية الاجتماعية الواجبة للشركات، وبالتالي، تقدم الشركات نفسها هنا بديلة أو مكملة لدور الحكومة في تنفيذ واجباتها الاجتماعية، صحيح لاحظنا هناك أدوارا لهذه الشركات تذهب مباشرة إلى الاستثمار الاجتماعي الخالص، لكن حديثنا هنا ينصب حول تفعيل وتخصيص المسؤولية الاجتماعية للشركات في عصر التحولات الجديدة لدور الدولة الجديد، ودور الشركاء الثلاثة في استدامة المسؤولية الاجتماعية دون أن يكون ذلك على حساب دور الآخر.

تظل مسؤولية الحكومة الاجتماعية قائمة، وبنفس قوتها ما دامت مسيطرة على موارد الدولة المالية، من نفط وغاز وعوائد الضرائب والرسوم.. إلخ من هنا، فإنِّه من الأهمية الزمنية أن تحصر الشركات مسؤوليتها الاجتماعية في المجالات التنموية التي تنتشل الأفراد والجماعات من الفقر والجهل وتساهم في إحقاق حقوق أساسية للمواطنين كحق العمل وحق التعليم... في إطار صناعة تنمية اجتماعية مستدامة من ناحيتين، الأولى، الاستدامة المالية، والثاني الاستدامة التنموية، بصرف النظر عن الأنواء والتقلبات التي قد تشهدها ظروف الشركات المالية، ودون الاستدامة الأولى لا يمكن للشركات أن تحقق الاستدامة الثانية.

لذلك، نتطلع من جلسة العصف الجديدة "المقترحة" أن تخرج بمرئيات وآليات لتنفيذ وتعزيز توصيات ملتقى صلالة للمسؤولية الاجتماعية، مثلاً، توحيد المسؤولية الاجتماعية للشركات في محافظة ظفار في كيانين كبيرين هما، شركة واحدة للمسؤولية الاجتماعية للشركات ورجال الأعمال، والآخر شركة مماثلة للمسؤولية الاجتماعية للبنوك، على أن تعمل وفق مفهومي الاستدامة، وهما الاستدامة المالية، كأن تخصص جزءًا من أموال المسؤولية الاجتماعية للاستثمار، وفي أدوات استثمارية مضمونة، والآخر، الاستدامة التنموية، وللمفهومين علاقة تكاملية في مفهوم الاستدامة التنموية مثل ما هو سائد في تجربة الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال.

وهذا التنظيم الجماعي للمسؤولية الاجتماعية للشركات ورجال الأعمال والبنوك، سيكون تأثيرها المجتمعي أكبر مما يتوقع، وأفضل من العمل الفردي الذي تلجأ إليه الشركات الآن، ففيه- أي العمل الجماعي- سيتم تحديد أولويات المسؤولية الاجتماعية، هل تكون الأولوية في قضية الباحثين عن عمل مثلا؟ وكيف يمكن حلها؟ هل في إعادة تأهيلهم أم دمجهم في بيئات العمل على نفقة المسؤولية الاجتماعية حتى يتم دمجهم المهني في المهن الدائمة.. أم إقامة مشاريع للرزق للأسر الفقيرة لانتشالها من الفقر؟.. إلخ.

ويظل الشريك الاستراتيجي الثالث هاجسا قائما بذاته، وهو قطاع مؤسسات المجتمع المدني، فرغم وجود مؤشراته القوية، إلا أنه يظل في أدنى الاهتمامات الحكومية، فكم من عقود، والعمل الاجتماعي المدني ينتظر صدور قانون الجمعيات الجديد؟ فمتى سيتم الإفراج عنه؟ وهذا شرط واجب لمواجهة تحديات التحول في دور الدولة، وإذا ما حاولنا الإجابة على تساؤل العنوان، فإن الأولوية التي ينبغي أن تخرج من جلسة العصف الذهنية المقترحة، عقد ملتقى للباحثين عن عمل من قبل الشركات والبنوك ضمن مسؤوليتها الاجتماعية الجديدة.. قضية لا تؤجل.