◄ البحوث الاجتماعية تؤكد أن برامج التواصل الاجتماعي تُسهم في نشر الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد
جابر حسين العماني
لقد باتَ العالمُ اليوم بين أيدينا، نرى ونشاهد كل ما فيه ونعيش أحداثه أولاً بأول؛ وذلك من خلال شاشات هواتفنا الصغيرة التي أصبحت سجناً لنا؛ فنحن اليوم أصبحنا نمارس الإدمان التكنولوجي الحديث، فأصبح تفاعلنا ضعيفاً، وإدراكنا بسيطاً، وفرحنا كبيراً بسرعة الوصول لكننا لم نصل إلى الآن!! لا، بل ذُهلنا وتفاجأنا بسرعة الاتصالات، ولكن مع الأسف الشديد لم نتصل بعد، اختزلنا كل مشاعرنا وأحاسيسنا في رسالة صغيرة، وحصرنا أُبوتنا في تغريدة صغيرة، ووضعنا أُمومتنا في مقطع فيديو لا يتعدى الدقيقة الواحدة، وأعددنا أطباق الطعام لا لنأكله معاً، بل لنلتقط صوراً له بهدف نشرها وترويجها، واجتمعنا جميعاً في غرفة واحدة لا لنتحدث مع بعضنا البعض، بل لنشغل أنفسنا بتصوير اجتماعنا لنقول إننا مجتمعون ومنسجمون مع بعضنا البعض، فإلى متى يا ترى سنخدعُ أنفسنا ونكذب عليها؟!
اليوم، ومع كل الأسف، تركنا النظر إلى عيون أبنائنا، فأصبحوا يبحثون بشغف عمن يتحدثون معهم، وكذلك أصبحنا نُمَارس الملل القاتل، ونشتكي من غياب الابتسامة الجميلة الهادئة على وجوهنا ووجوه من حولنا.
اليوم، أصبحتْ علاقاتنا الأسرية والاجتماعية ضعيفة جدًّا ومهددة بالانقراض؛ بحيث أصبحنا وأمسينا لا نحب الجلوس في عالمنا الحقيقي، وأكبر همنا هو عالمنا الافتراضي فقط لا غير!
الإحصائيات الحديثة تقول: إنَّ المستخدمين لعالم الإنترنت تجاوزوا الستين بالمائة وهو مؤشر خطير للغاية؛ بحيث نستطيع القول وبكل صراحة ووضوح: إن في كل ساعة كاملة يقضيها مستخدم الإنترنت، هناك ما يقارب العشرين دقيقة يقضيها متابعاً برامج التواصل الاجتماعي، وهذا الأمر بحد ذاته أصبح له تأثير كبير، وانعكس سلباً على التواصل الأسري والاجتماعي؛ مما جَعَل إحصائيات الطلاق تصل إلى أرقام مخيفة بسبب الاهتمام الكبير ببرامج التواصل الاجتماعي؛ بحيث بات البعض يمارسها وهو يتناول وجبات طعامه.
كما أنَّ هناك دراسات حثيثة قامت بها جامعة بايلور في الولايات المتحدة في العام 2012، كانت نتيجتها أن برامج التواصل الاجتماعي تُسهم في نشر الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد؛ وذلك من خلال نشر السخرية والعنصرية، تحت عنوان الحرية والتحرُّر والتقدم وانعدام الرقابة، وهذه البرامج كان لها حتماً تأثير واضح على صحة المستخدمين؛ بحيث تضعُف ذاكرتهم، وتدمر خلايا أدمغتهم، وتقوم بتدمير الهوية الاجتماعية والأسرية، بل وتحدث انقلاباً واضحاً في الحياة الإنسانية، وتزيد من التباعد وهدر الطاقات والأوقات الثمينة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
من مُنطلق المسؤولية لا بد من الالتفات إلى بعض التوصيات التي لابد من توجيهها إلى الأسرة والمجتمع وأفراده، والتي من أهمها: تسليط الضوء على كيفية استخدام وسائل الاتصال؛ وذلك عن طريق الوسائل الإعلامية المختلفة المسموعة والمقروءة، والتركيز على الدور الكبير الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيرها السلبي على المجتمع وأفراده وخاصة الشباب؛ وذلك من خلال تفعيل دور الأسرة في أهمية رقابة الأبناء عند امتلاكهم للهواتف النقالة والحواسيب الذكية، وتوجيههم وإطلاعهم على كيفية استخدام تلك البرامج؛ من خلال تنظيم أوقات استخدامها؛ بحيث لا يغلب الوقت المخصص لاستهلاك برامج التواصل على حساب الواجبات الأسرية والاجتماعية الأخرى.
وهنا.. نتساءل: يا تُرى ما الذي سيحدث لنا إذا قللنا من المبالغة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؟
فالجواب:
- حتماً سنقلل مقارنتنا بالآخرين الذين يعيشون حياة مختلفة تماماً عن حياتنا الاجتماعية والأسرية.
- حتماً سنقوم بحماية خصوصياتنا الشخصية.
فبرامج التواصل الاجتماعي تسهِّل عملية انتشار صور حياتنا الأسرية الخاصة مع الآخرين، وهذا ما لا يرتضيه عاقل لنفسه.
- حتماً سنحسن علاقاتنا الاجتماعية والأسرية مع عالمنا الحقيقي، وسنجنِّب أنفسنا مشكلة الانعزال عن الآخرين ممن هم حولنا.
- حتماً سنعمل على تقوية أواصر المحبة والمودة والترابط الأسري والاجتماعي.
- حتماً سنلاحظ كيف أن النشاط والحيوية سيعودان بشكل أفضل وأكمل إلى أجسادنا.
- حتماً سنشعر بالراحة والسكينة والاستقرار.
وأخيراً.. علينا أن نعلم أن برامج التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين قد نجني منها الفوائد الكثيرة، ولكن بشرطها وشروطها، ومن أهم شروطها استخدامها الاستخدام الأمثل فلننتبه إذاً!!! لكي لانقع في مستنقع السلبيات التي يكيدها ويضمرها لنا أعداء الإسلام.