دعُوا الناس وشأنهم!

مدرين المكتومية

ماذا لو كل شخص تَرَك الآخر وشأنه والتفت لنفسه وحياته؟! ماذا لو كل شخص ترفَّع عن كل ما يُسبِّب له الانفعال والانزعاج؟! أعتقد أنه بالتأكيد سيعيش الجميع بسلام داخلي قبل كل شيء، كما أنَّ هذا الجميع أيضًا سيكون قادرًا على أن يُكرِّس حياته لنفسه وسعادته، وتحقيق أمنياته، دون شعورٍ بأي إحباطات أو تحديات تقف عائقًا أمامه.

وعندما نتحدَّث عن أمر كهذا، فلابد ابتداءً التركيز على مفاهيم الحياة البسيطة؛ ألا وهي: عدم الاكتراث لكل شيء، ومحاولة العيش بهدوء وتريث قبل اتخاذ أي قرار، والنظر لكلِّ شيء في الحياة على أنه قابل للتغيير والتجديد وأنه ليس نهاية المطاف، وأنَّ كل شيء سيأتي في المكان والزمان المناسبيْن.

ومن أروع الاختبارات التي يُمكنك التعرُّف فيها على نفسك: هو تلك المرحلة التي تترك فيها الآخر وتنظر لكل ما أنت فيه وعليه وما تتمنى وما تريد، هي المرحلة التي تصل فيها لقناعات أنه لا يمكن لأي أحد أن يسرق منك أيامَ عمرك وساعات سعادتك، تفعل كل ما يحلُو لك، تبكي وتضحك وتبتسم دون أن تخاف من فهم خاطئ أو انزعاج من آخر، تعيشُ حياتك بالبساطة والكيفية التي تُريدها لا التي يريدها من هذا أو ذاك، لا تفكر بآراء الآخرين لأنهم بالنهاية لن يُضيفوا شيئًا ولن ينقصوا من شيء آخر، ولا حق لهم في وضع التصنيفات.

وعلى النسق نفسه، أسوق بعضا مما حواه كاتب المؤلف خالد المنيف "المرحلة الملكية"، والذي ناقش فيه نوعيْن من المفاهيم بهذا الخصوص؛ كون الشخص في مثل هذه المرحلة يصل لأن يكون ملكَ نفسه يجد نفسه قادرًا على استيعاب طبائع البشر على اختلافها، وتقبلهم بكل ما فيهم من مساوئ؛ لأنه يصل لقناعة أنَّ التغيير لن يكون منه، وأنَّ ما خلَّفته السنون والأعوام لا يمكن أن تغيره الأيام والمواقف العابرة؛ وبالتالي فإنه يتجنب أي خلافات قد تندلع بينه وبين الآخر.. نتيجة سوء الفهم.

فالشخص الذي يصل هذه المرحلة، هو حتمًا شخص مرَّ بتجارب عدَّة أوصلته لقناعة أكيدة بأنَّ الحياة في مجملها مِلك له، وأنه يجب أن يقدم كل شيء لنفسه، ويبتعد عن أي أذى نفسي يُسببه لغيره، ويُسببه له غيره، ومن ثم لا ينزعج ويخلد إلى عالمه البسيط، ناعمًا بالسعادة والرضا، والتجاوز الحسن عن كل الهفوات وعدم الوقوف عند كل زلة أو كلمة تُقال، فيُعطي كلَّ شخص حجمه وموقعه، ويُصبح في منأى عن كل يعكر صفو الحياة.. فدعُوا الناس وشأنهم!