السعودية.. التغيرات المتتالية

صرنا نسمع في كل يوم ما يجعل الأفواه ... استغراباً مما يجري اليوم

غسان الشهابي *

* كاتب بحريني

رُبما لم تعرف مُجتمعات على وجه الأرض سرعة التغيرات التي عرفتها المجتمعات الخليجية، والتي بدأت مع نهاية الثلث الأول من القرن العشرين، ولكنَّ التغيرات الكبرى والمفاجئة أتت على صحوة عدد منها على ثروة هائلة بعد ما سُمِّي بـ"الطفرة النفطية"، التي وفّرت كمية كبيرة من السيولة لم تَدُر في خُلد هذه الدول والمجتمعات أيضاً، وأحدثت -في سنوات قليلة- نقلة كبيرة في حياة شعوب هذه المنطقة، لا تزال محطّ أنظار الدارسين الاجتماعيين؛ وذلك لعُمق التغيرات وسرعتها ودراماتيكيتها.

واحدة من المسائل التي هي محطّ دراسة ولا تزال، هي آثار سرعة التغيرات وعدم تدرُّجها؛ مما يعني أنَّ هذه المجتمعات "أُخذت على حين غرّة" ربما جراء ما حدث؛ مما أدّى إلى تشوّهات عدّة على عدد من الصُّعد الإنتاجية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية والتراثية والقيمية، ويمكننا مدّ مظلة الصُّعد هذه إلى ما نشاء، فما من قطاع أو بعض قطاع إلا وناله من التغيير جانب، وهذه التغيّرات ليست كلها سيئة كما قد يتباكى البعض على ما يسمّى مخاتلة "الزمن الجميل"، ولكن الأساس يكمن في سرعة الانتقال بما لا يُبقِي مساحة للانتقال الطبيعي الذي يختبر الماء برجله غير مرة، قبل أن يقرر النزول إلى النهر.

ويُمكن وصف التغيرات التي تحدث في المملكة العربية السعودية اليوم بأنها "موجة الطفرة الثانية"، لكنها هذه المرة على المستوى الاجتماعي في المقام الأول؛ ففي السنوات الأربع التي رافقت حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، جرت عمليات واسعة من إزالة عدد من الممنوعات من الجانب الاجتماعي، وهي النقاط التي ما كانت تحلم ببعضها قوى الضغط الداخلية والخارجية في المملكة العربية السعودية، وصِرنا نسمع في كل يوم ما يجعل الأفواه تُفغر، والحواجب ترتفع إلى أقصاها؛ استغراباً مما يجري اليوم بعد ما كان في الأمس القريب أيضاً ضرباً من الاستحالة، وتحوّل الخطاب من طرف إلى طرف آخر، ودعم الخطوات التي كان بعض أصحاب الخطاب أنفسهم يشيدون بمنعها قبل بضع سنوات.

في حُوارات سابقة مع عدد من الناشطين السعوديين؛ إذ كنا نُهنئهم على إحراز بعض التقدم في مسألة من المسائل الداخلية، كانوا يقولون بأن أعمارهم وأعمار أبنائهم قد تنقضي دون أن يصلوا إلى ما يصبون إليه، واليوم الأمور تبدو مختلفة إلى حدٍّ كبير، وإن ليست منتهى الطموح بالنسبة للناشطين؛ لأن الأمر لا يرتبط بالشكل والملابس وجلوس المرأة وراء مقود السيارة، ولكن المطالبات أعمق ذاهبة إلى مفاهيم حقوق الإنسان الأصيلة.

سيكون من صِدق القول أن: "أهل السعودية أدرى بشعابها"، ولا يمكن الحديث نيابة عن هذا البلد وأهله، ولكن ما يُخشى هو الوقوع في الظروف ذاتها التي قادت إلى التغيرات العميقة التي أعقبت "طفرة 73"، فلا يجري الانتقال السلس من وضع إلى وضع، ولا تترك الفرصة الكافية للمجتمع لاستيعاب ما تركه وراءه، وتبصّر ما هو مقبل عليه لأن الحديث ليس عن أفراد أو أسر، وإنما عن مجتمع هو الأكبر خليجيًّا، وهذه المتغيرات السريعة ستخلف الكثير من الآثار التي ستحتاج بدورها إلى الدراسة والتمحيص فلا سبيل لوقف التداعيات، ولكن من المهم فهمها والتعرف على ما ستؤول إليه.