كيف يُدرَّس التاريخ؟

يوسف عوض العازمي

 

"تاريخ كل أمة خط متصل، وقد يصعد الخط أويهبط، وقد يدور حول نفسه أوينحني ولكنه لا ينقطع"... محمد حسنين هيكل.

 

في عصر التكنولوجيا وثورة الاتصالات وسهولة الوصول إلى المعلومة، يتعين على خبراء المناهج الدراسية (وأخص الجامعية بالذات) أن يواكبوا العصر والتطور؛ إذ لكل زمان دولة ورجال، ومن المضحك في سنيننا هذه اعتماد الحفظ والتلقين في تدريس التاريخ، فما كان مناسبا بالأمس قد لا يكون مناسبا اليوم.

ولايمكن أن تقنعني بطريقة تدريس تعتمد على الحفظ في عصر الآي فون والأندرويد، ولا يمكن أن تضع اختبارا لطلبة التاريخ يعتمد على تواريخ وأماكن وشخصيات، صحيح هذه أمور تخص التاريخ ومادته ودراسته، لكن هذه الطريقة في وقتنا الحاضر تعتبر ساذجة، فالتطور لم يصبح ترفا، بل ضرورة قصوى إن أردت أن تُدرِّس مناهج تاريخية بشكل صحيح!

العمل الأكاديمي الآن يجب أن يتخلص من عقدة (صح/ خطأ/ اختيار متعدد) ويجب أن يتطور للأفضل، والأفضل حسب وجهة العبد الفقير هي التركيز على التحليل التاريخي والسياسي والفكري للفترة التاريخية المستهدف دراستها. وهنا لا حاجة إلى الحفظ أو التلقين، بل يجب تشجيع طالب التاريخ على الأخذ بالمبادرة والنقاش والبحث عن المصادر والمراجع، وإعداد تقارير تصل إلى أبحاث غنية بالتحليل الراقي الذي يفتح عقل الطالب للبحث في معلومات بعينها، وكيف أتت المعلومات ومدى صحتها، حتى إنه يمكن أن يتجه للمخطوطات ويحققها. هنا سنكون أمام طالب تاريخ حقيقي، أما أن يُعتمد رصد الدرجة على حضور وغياب واختبار موضوعي كثير منه متسرب ومعروف للطالب حتى قبل دخوله للفصل الدراسي، فهذا لا ينتج سوى حامل شهادة، ينتهي علمه بانتهاء الساعة الدراسية، أو بالكثير بانتهاء الفصل الدراسي!

قبل كتابة هذه الكلمات، قرأت أكثر من مصدر أو مرجع وعدة مواضبع حول هذه القضية، ووجدت مقالات وآراءً غاية في العمق والحيثية والجدية، وكان واضحا عدم توافق الآراء أو عدم تشابهها، وفي ذلك صحة وخير، ففي التاريخ بالذات اختلاف الآراء حول الحدث يضاعف أهميته، ويعطي مساحة كبرى للبحث والتنقيب في ماهية الحدث و ماوراءه. فابن خلدون قال: "إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق"، وهذا بالضبط ما أصبو إليه، أن النظر والتحقيق هما الأساس، ومنهما ينطلق الفهم سواء تاريخيا أو سياسيا أو فكريا، لأن حوادث التاريخ تأتي مرتبطة بإفرازات معينة، منها يبدأ التمهيد للحدث المزمع دراسته وتحليلة تاريخيا.

من المهم إعادة النظر في طرق دراسة التاريخ في الجامعات، لأن أسلوب الحفظ والتلقين لم يعد يجدي نفعا، والعالم يتغير بسرعة، وعلى الجميع التغير والدفع نحو الإيجابية ومحاربة الجمود، فالتاريخ يكاد أهم مادة يدرسها طالب العلم.

alzmi1969@