عُمان السلطان قابوس

فايزة الكلبانية

المتأمل في مسيرة النهضة المباركة بامتدادها الزمني، يتلمس العديد من الإنجازات التي تحققت على هذه الأرض الطيبة، فالتنمية الشاملة لم تترك مجالا إلا وأضاءته بنور التقدم والمعرفة، وأسبغت عليه هيئة التطور والتحديث. لكن بنظرة عميقة في منجزات هذه النهضة التي يقودها باقتدار وحكمة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- يدرك برؤية فلسفية أنّ من أهم الإنجازات التي تحققت خلال عهد النهضة المباركة، هو ما اكتسبته عُمان من سمعة طيبة حول العالم، فأينما يطأ العماني قدمه أو يترحّل إلى أي بقعة يجد الاحترام والتقدير للسلطنة وقائدها وشعبها المضياف الودود، والإشادة بما تمّ إنجازه من مشروعات تنموية وخدمية تعزز من رفاهية المواطن وتلبي له احتياجاته.

لذا يمكن القول إنّ عُماننا تعيش ازدهارا غير مسبوق، بفضل التطور الذي شهدته مختلف القطاعات، كما حققنا الكثير من الإنجازات في مجال التنمية البشرية.

***

وخلال زيارتي الأخيرة إلى لندن، وكذا الحال إلى مختلف العواصم والمدن حول العالم، تصادفني مواقف تثبت لنا كم نحن محظوظون لأننا أبناء السلطان قابوس القائد الحكيم، الذي صنع لعمان رؤى واستراتيجيات أكسبتها حب القلوب والعزة والريادة، ليس على الصعيد المحلي فقط، بل تجاوزنا ذلك لنحجز لبلادنا مكانة متقدمة في مصاف الدول الكبرى دبلوماسيا وسياسيا ومختلف الاتجاهات.. بصدق أسعدتني تلك الابتسامات والبشاشة على الوجوه، والحفاوة في الترحيب من قبل المقيمين في لندن بشوارعها وفنادقها ومقاهيها وطرقاتها المزدحمة من مختلف الجنسيّات العربية والأجنبية، فتنتابني مشاعر الفخر بالسمعة الطيبة والأفكار الإيجابية والانطباعات المترسخة في أذهانهم عن سلطنتنا الغالية عمان، والأجمل حينما يسألونك من أي بلد أنت، فتكون الإجابة: "سلطنة عمان"، فيأتي الرد أنتم "أبناء السلطان قابوس" ويبدأون في سرد مواقفنا الحيادية في مختلف القضايا السياسية بالمنطقة، وتلك المحاولات والمبادرات التي تعمل عليها السلطنة لحل النزاعات والخلافات بين مختلف الأطراف وتنجح فيها نتيجة لحنكة جلالة السلطان قابوس المعظم- أيّده الله- وذكاء وفطنة إدارته لجميع هذه القضايا بين مختلف الدول والأشقاء.
أريد أن أنظر إلى خارطة العالم ولا أجد بلدًا لا تربطه علاقة صداقة بعُمان".. هذه العبارة الألمعية تمثل إحدى تجليات الحكمة القابوسية، وواحدة من ضمن العبارات التي تحولت فيما بعد إلى قاعدة دبلوماسية ونهجا أصيلا للخارجية العمانية، وصرنا نتداولها بيننا في مختلف وسائل الإعلام إدراكا منها بعمق معانيها وتجلياتها وتحققها على أرض الواقع، دون أن تتحول إلى شعار وحسب. لقد أصبح الجميع يستشهد بهذه العبارة في حديثهم عن المكانة المرموقة التي تتوج بها سلطنة عمان اليوم في مختلف المحافل الدولية، والسمعة الطيبة بفضل السياسة العمانية الحكيمة التي يديرها قائد البلاد المفدى- حفظه الله ورعاه-

***

اليوم نحمل على عاتقنا نحن جيل عمان الحاضر والمستقبل، وكل من يقف وراء صناعة الخطط والرؤى والاستراتيجيات لمستقبل واقتصاد عمان بأن نترجم هذا النجاح السياسي إلى نجاحات اقتصادية، ونحصد ثمار هذه المكانة الطيبة والعلاقات الأخوية التي تربطنا مع محتلف دول العالم، بالعمل على المزيد من تبسيط الإجراءات والتسهيلات أمام القطاع الخاص لعمل نجاحات أكبر.

إنّ التحدي الأكبر الآن هو تحدٍ اقتصادي، نتيجة لتراجع أسعار النفط وانكماش الإيرادات العامة للدولة، والحل الأمثل هنا هو أن نضع حلولا غير تقليدية، وأن يقوم القطاع الخاص بدوره في التنمية، من خلال تعظيم الشراكة مع القطاع العام، ولعل المراسيم السلطانية الأخيرة الخاصة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص وإنشاء هيئة مستقلة لهذا الأمر، خطوة إيجابية للغاية تسهم في تعزيز الحلول غير التقليدية.
إننا في حاجة حقيقية من أجل بناء جسور جديدة وغير تقليدية بين كبار رجال الأعمال القادرين على توفير السيولة لتنفيذ الأفكار الابتكارية والمشروعات الواعدة، التي يطرحها أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهم راغبون في الحصول على تمويل لهذه الأفكار والمشروعات، ولا بديل هنا عن إنشاء منصة مصرفية أو تمويلية توفر السيولة اللازمة لهذه المشروعات، والمشروعات التي أقصدها هنا ليست المشروعات البسيطة مثل افتتاح مطعم أو شركة لتقديم خدمات معينة في قطاع ما، بل إنني أتحدث عن مشروعات تخدم مسيرة التنمية بصورة فعّالة، وتوفّر فرص العمل ليس للمئات من شبابنا الساعي بكل جد للحصول على وظيفة، ولكن للآلاف الذين ينتظرون أن تتاح لهم الفرصة كي يطلقوا طاقاتهم الإبداعية ويطوروا من مهاراتهم.
إنّ مسيرة النهضة المباركة ماضية قدما في تقدمها وتحقيق الرخاء للمواطنين، لكن لا نزال نحتاج إلى الحلول الابتكارية والتفكير خارج الصندوق.