نادي الشرطة وغياب فلسفة الرياضة لدينا

 

علي بن مسعود المعشني

كنت أحد المتابعين بشغف لمجلة الصقر الرياضية بدولة قطر الشقيقة والتي أحدثت ثورة حقيقية في الصحافة الرياضية في الوطن العربي ونقلة نوعية في الوعي الرياضي والثقافة الرياضية. وكان من جملة محاسن المجلة وتفردها تسليطها الضوء على الرياضة العربية بعمومها واهتمامها برموزها وتاريخها وشخوصها بحسب الأهمية، فكانت مجلة الصقر مجلة لكل العرب من المحيط إلى الخليج.

أذكر جيدًا إعجابي بالتجربة الرياضية لدى الأشقاء في المغرب العربي وعلى وجه الخصوص تونس والجزائر والمغرب، وفلسفة الرياضة لديهم كتعبير عملي عن حيوية الشعوب وفتوتها، وليست كنظرتنا نحن في المشرق العربي وفي أقطار الخليج على وجه الخصوص حيث اختزلنا الرياضة في كرة القدم وكملهاة ومضيعة للوقت وفي عمر بعينه ثم نستقبل الكروش ونستسلم لأمراض المدنية والترف المعيشي من ضغط وسكر وشرايين وخلافها من جملة أمراض مجلس التعاون.

ولغاية اليوم للأسف لا تزال أنديتنا الرياضية ترفع شعارها المعتاد (رياضي، ثقافي، اجتماعي) وفي النهاية لا تجد بداخلها سوى كرة قدم وقليل من رياضات اليد والسلة والطائرة وعلى خجل، وتنس الطاولة للمراهقين.

في أقطار المغرب العربي تجد فلسفة الرياضة في كل ركن وبيت وناد، ولجميع الأعمار، وأذكر جيدًا معالي رئيس الوزراء التونسي الأسبق محمد مزالي (رحمه الله) والذي كان يفتتح يومه بالعدو لمسافة (5) كيلومترات يوميًا قبل مباشرته للعمل كموظف صغير أو وزير أو رئيس حكومة لعدد من المرات وإلى أن تجاوز السبعين من عمره وهو على هذا المنوال، لهذا بلغ قرابة الثمانين عامًا وهو يتمتع بنضارة ولياقة بدنية ملحوظة لكل من عرفه.

من هنا فرضت ثقافة المجتمع فلسفتها العميقة للرياضة ولمختلف الشرائح والأعمار بدءًا من الرياضة المدرسية وصولًا إلى المنتخبات الوطنية للكبار ومن الجنسين. وخلال فترة عملي بالجزائر في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي شهدت بنفسي مدى الاهتمام والشغف الرسمي والشعبي بالرياضة ومدى حرص الحكومة على إنشاء الملاعب والصالات والقاعات الرياضية في الأندية والتجمعات السكانية ومما ساعد الأشقاء في المغرب العربي حينها على النهوض بالرياضة سعيهم لتطبيق نظام الاحتراف الجزئي أو ما سمي بالاحتضان وهو تبني المؤسسات والشركات الحكومية للأندية وبالتالي أصبح الرياضيون والملاعب من اختصاص تلك المؤسسات والشركات بل ويحملون أسماءها وكموظفين متفرغين للرياضة، ولم يقتصر الأمر على أقطار المغرب العربي بل امتدت الفكرة إلى أقطار عربية أخرى كنادي الجيش الملكي بالمغرب ومولودية نفط وهران وملاحة حسين داي بالجزائر والمقاولون العرب بمصر والطيران والشرطة بالعراق.

في سلطنتنا الحبيبة كان لدينا ناد يتيم على نظام الاحتضان أي الاحتراف الجزئي وهو نادي الشرطة، وكلنا يعلم أنَّ المجمع الرياضي بالوطية للشرطة كان ومازال صرحًا رياضيًا مميزاً، ولكنه لم يعد مرتعًا لنادي الشرطة كما كان والذي تمَّ حله في نهاية الثمانينيات لأسباب قد تكون مبررة حينها ولكنها اليوم تبرز كخطأ إستراتيجي كبير، حيث كان من الممكن والمنطقي جدًا أن تتناسل تجربة نادي الشرطة ونرى أندية أخرى للحرس السلطاني والبحرية وسلاح الجو والجيش والقوات الخاصة بل وكان يمكن لنادي الشرطة اليوم أن يكون ضمن عدد من أندية الشرطة وفق كل وحدة من وحدات جهاز الشرطة وكان من الممكن جدًا اليوم أن نرى نادياً لشركة تنمية نفط عُمان ولشركة الغاز العُمانية وللشركة العُمانية للمطارات وللطيران العُماني ولكل منطقة صناعية ومصرف وشركة كبرى ترغب في رعاية ناد أو إشهار ناد من باب المسؤولية الاجتماعية وممارسة فلسفة الرياضة وترجمة العلاقة العضوية بين الرياضة والمجتمع.

وكان يُمكننا لتحقيق فلسفة الرياضة وبسطها في المجتمع أن نستثمر المنشآت المدرسية وفق خطة استراتيجية طويلة المدى أو متوسطة المدى وذلك عبر تكاتف جهود وزارات التربية والتعليم مع وزارة الشؤون الرياضية والبلديات للتعاون على استغلال مساحات الفضاء الهائلة في المدارس وتزويدها بالملاعب والصالات الرياضية المجهزة وجعلها متاحة للمجتمع المحلي في العُطلات وخارج ساعات الدوام الرسمي ولتحسين البيئات المدرسية كذلك بأسرع وأبسط السبل وأجودها. على أن يمتد المخطط ليشمل الكليات والمعاهد المتخصصة وجمعيات المرأة والحدائق والمتنفسات العامة ليجد المجتمع المحلي مبتغاه في ممارسة الرياضة بأنواعها والتجمعات المحببة والترفيه البريء.

قبل اللقاء: مشكلتنا ليست في شُح الموارد المالية أو وفرتها بل في قصور نظرتنا وقلة خبرتنا في كيفية إدارة الموجود واستغلاله لتلبية احتياجاتنا المتسارعة على الدوام.

 وبالشكر تدوم النعم