مبادرات بيئية تنتظر النور

 

  علي بن سالم كفيتان

في الحقيقة أنّ الذين يذرفون دموع التماسيح على الريف كثر في هذه الأيام ونادرًا ما نرى مبادرات حقيقية تقوم على مبدأ حماية النظم البيئية في جبال ظفار ففي الوقت الذي يتباكى فيه الكثيرون على أشجار أسقطتها الريح وهرعوا لإعادة إيقافها مجدداً تنعدم الخطوات التي توحي لنا بأنّ الإنسان الريفي لديه وعيٌ تام بالمشكلة التي أصبحت تحيط به من كل جانب بينما هو الدافع الرئيسي لتفاقمها، ولن نقلل هنا من بعض الخطوات المتواضعة التي أفضت لوجود  فرق أهليّة تغلق دروب ومسالك المركبات غير الرئيسية في الأرياف قبل موسم الخريف لكن من المفارقات الغريبة أن يتم فتح ذات المسالك بعد الموسم لتسلكها آلاف القطعان وعدم اكتراث هؤلاء بما يحدثه ذلك من دمار هائل للبيئة في حين ينصب جل اهتمام تلك الفئة لمحاصرة السواح على الطرق الرئيسية أعلم أنّ هذا الحديث قد يحدث تبايناً عميقاً وقد يولد انزعاجاً لدى البعض لكنني هنا أطرح قضيّة عامة بعيدا عن التأطير الضيّق للمشكلة البيئية في جبال ظفار.

نتفق جميعا بأنّه لا يوجد رابح من تراجع البساط الأخضر في ظفار فحتى الذين يحسبون أنفسهم بعيدين عن الريف فجبال ظفار تمثل قيمة حضارية وثقافية قبل أن تكون بيئية ولقد ظل الريفيون أطباء بارعون لتجبير كسور ريفهم الجميل، وتضميد جراح بيئتهم الجميلة لعقود خلت إلا أنّ الوضع اليوم أصبح مختلفا فلا أحد يكترث للمشكلة ولا يوجد هناك من يقدم مبادرات أو حلول بل يتم تعميق جراح الطبيعة يوما بعد آخر عبر سلوكيّات جشعة من جميع الأطراف سواء الذين يستفيدون بشكل مباشر من الماء والكلأ أو الذين تعول الجبال فنادقهم وبناياتهم ومطاعمهم ومشاريعهم السياحية ولو وسعنا نظرتنا سنجد أنّ انحسار مراعي وغابات ظفار بشكل ملفت وتحولها لأراضي جرداء أو لغابة من الإسمنت سينعكس سلباً على مجالات أخرى أشد حساسية فتناقص الموارد وشحها يدعم مبدأ التنافس على المتبقي منها والفقدان النهائي يعني الفقر والعوز وكليهما يساهمان في زعزعة الأمن والسلم المجتمعي لا سمح الله.

من باب التفاؤل الحذر نقول بأنّ القطار لم يفت بعد وهناك إمكانية ولو ضئيلة للبدء بخطة إنقاذ بيئية لجبال ظفار شريطة وجود التزام صارم بين أطراف الحل وهما المجتمع المحلي والحكومة ولنا هنا أن نأخذ بعض التجارب في هذا الشأن كمثال ففي عام 2014 وعلى هامش مؤتمر الأطراف الخاص باتفاقية الأمم المتحدة للتنوّع الأحيائي في كوريا الجنوبية عرضت جمهورية الصين الشعبية تجربتها في مكافحة التصحّر لواحدة من أعتى صحاري الأرض ألا وهي صحراء وسط الصين؛ حيث رسمت الخطة بحيث يقوم الجيش الصيني بتنفيذها على مدار 30 عاماً ولقد أذهلت النتائج جميع الوفود الحاضرة فقد تمّ تنفيذ المهمة في نصف المدة حيث أعيد استصلاح حوالي 30% من تلك الصحارى المقفرة، وأصبحت مناطق حرجية، وعندما سألت عالم طبيعة صيني يرتدي بزة عسكرية أثناء إلقاء كلمته عن سبب اختيار الجيش قال لي إنّ الجيش يصرف عليه الكثير من الموازنة العامة للجمهورية ولا توجد حروب لكي يخوضها لذلك استقر القرار السياسي بأنّ التصحر هو العدو الأكثر فتكا بالوطن لذا وجب مواجهته بحزم.

ولكي لا نكون كذلك مجحفين بحق المجتمع حري بنا أن نذكر تجربة رائدة تبنتها مجموعة من الأهالي في منطقة طوق التابعة لنيابة طيطام بولاية صلالة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي وزارها الأمير تشارلز الرئيس الفخري للاتحاد الدولي لصون الطبيعة في حينه وسجلت ضمن التجارب المجتمعية المحفزة للطبيعة حيث يقوم الأهالي بإغلاق منطقتهم التي توازي مساحتها 100 كم2 تقريباً من أواخر مايو وحتى نهاية أكتوبر من كل عام أي حوالي خمسة أشهر في السنة يمنع فيها الرعي لكافة الحيوانات في تلك المنطقة كنظام لإراحة المراعي ولا زال الأهالي إلى اليوم ولقرابة 30 سنة يطبقون هذا النظام الصارم للرعي في تلك المنطقة ليقينهم بأنّ النتائج كانت مبهرة؛ ومع ذلك ظلّت هذه التجربة الرائد حبيسة هذا المجتمع البسيط ولم يُلقَ عليها الضوء ولديّ قناعة بأنّها لو قدمت بشكل صحيح لحصدت العديد من الجوائز البيئية العالمية.