دافعو الضرائب.. أسئلة مُعلقة!

د. بدر الشيدي 

هل فعلاً بات المواطن في دول الخليج العربي يمشي ويتحسَّس جيبه ليتأكد من بقاء ماله في المكان الصحيح؟ قد يَرَاها البعض ضمن النكات الرائجة الآن، لكن في الحقيقة وبلا شك لا يستطيع أحد أن ينكر نظرة الحيرة والاستغراب، والأسئلة التي تطرح عن مصير عائدات النفط طول هذه السنوات التي لم تخلق إلا دول مشوهة لا تقوى على الصمود في وجه الهزات الاقتصادية والأزمات الطارئة.

تلك الحسرة التي تعلق في قلوب كل مواطن لما آلت إليه دولة الرفاهية التي بدأت في الأفول والانحسار. وفي هذا السياق، قد لا يختلف اثنان على أن ارتفاع رسوم الخدمات والضرائب باتت تُؤرق المواطن العادي في عيشه اليومي. كل ذلك والغصة تكبر والحسرة تلتمع بعيون البعض، خصوصا وهو يشاهد نمو طبقة من المتنفذين والمستحوذين على مقدرات وخيرات الأوطان. في الوقت ذاته تفرض فيه ضريبة دون هوادة، وقد يتساوى الكل في سدادها، دون المساواة في الخيرات والمزايا. انعكس ذلك بشكل أساسي على الكثير من الأسئلة التي باتت تطرح في المجالس واللقاءات الخاصة، عن الأموال التي يدفعونها كضرائب، ومآل تلك الأموال. وأخذت الأسئلة تزداد حدة، خصوصا وهم يعتقدون بأن أموالهم التي يدفعونها كضرائب تنحرف عن مقصدها وتصب في جيوب فئة معينة تبنى بها القصور وتُشرى بها الفلل الفاخرة والسيارات، بينما المواطن الفقير يتضور جوعا مهددا بالأمراض، والوقوع في براثن الفقر والعوز والبطالة وغيرها.

في الحقيقة، ليس استثناء أو خطأ أن تلجأ دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية  إلى البحث عن مصادر إيرادات بديلة لنفط، خصوصاً مع تراجع أسعاره في الأسواق العالمية. بدأ التفكير لوضع خطط لتنوع مصادر الدخل تسعى لسد العجز المالي المتفاقم في ميزانيات هذه الدول، وكذلك لمواكبة الاحتياجات المتزايدة، والاستجابة للتنمية المستدامة، وكذلك لكبح جماح الاستهلاك العالي للمواطن في هذه الدول الذي أغدقته عليهم الدولة الريعية في السابق. إلا أنه بات واضحا أن أغلب تلك الخطط والطرق لن يأتي قطافها إلا بعد فترات طويلة. وفي حمى البحث عن الوسائل والطرق البديلة، برزت فكرة فرض الرسوم والضرائب كأسهل الطرق، وكحل سريع يضمن تدفق إيراد مالي منتظم للموازنات.

دُون أدنى شك أنَّ فرض الضرائب بمختلف أنواعها يبقى عملا سياديا يتفق مع القوانين والأنظمة، وعمل مشروع تنص عليه الدساتير والأنظمة الأساسية للدول، ونتيجة حتمية وتطورا طبيعيا لمسار الدول ونظامها الاقتصادي. إلا أن البعض يرون أن فرض ضرائب ما هو إلا دليل على هشاشة نظامها الاقتصادي وضعف بنيتها المالية، وانسداد الأفق الاقتصادي أمامها.

ومع إدراكنا لفوائد لفرض الضريبة، إلا أن تلك الفوائد تحمل في طياتها سلبيات قد تؤثر بشكل أو بآخر على الحياة الاقتصادية، ومنها على سبيل المثال: تأثيرها على المستهلك المواطن العادي في حال أضيفت الضريبة على تكلفة السلعة، وهو أثر غير مباشر، إضافة إلى تأثيراتها المختلفة، كارتفاع مزدوج للأسعار على المستثمر والمستهلك النهائي، كما أنها تؤدي لتقليص حجم الإنتاج والربحية لدى الشركات، وقد تؤدي إلى تسريح الموظفين في القطاع الخاص أو تقليص الأجور.

بلا شك يخلق ذلك بيئة خصبة للشك وعدم اليقين لدى الكثير من المواطنين، قد يتحول بمرور الوقت إلى مصدر قلق وإزعاج للأنظمة والمجتمع. خصوصا في غياب دور التثقيف الضريبي الذي يفترض أن تقوم به مؤسسات الدولة، ودور توعوي دون المأمول للإعلام والمجالس المنتخبة. كذلك مع تنامي الإعلام البديل الذي يظهر مسارات أموال دافعي الضرائب في الدول المتقدمة، التي تذهب إلى تمويل برامج وخدمات تستفيد منها شرائح محددة من المواطنين كالرعاية الصحية والتدريب في سوق العمل والمدارس والحدائق والمتنزهات العامة، ومساعدة الطلاب والباحثين عن العمل وتسكين بعض المحتاجين.

وكما طُلب ذات يوم من مواطني هذه الدول الوقوف مع وطنه في أوقات الازمات واقتطاع جزء من حقه للصالح العام والمساعدة في تحمل الأعباء والتكاليف التي باتت ترهق الدول، آن لهذه الدول أن ترجع لمواطنيها بعض الشيء، وأن تشعرهم بأنهم شركاء في كل شيء، وأنها على قدر كافي من المسؤولية. ولن يتأتى ذلك إلا باتخاذ بعض الخطوات بالتزامن مع فرض الضرائب؛ ومنها على سبيل المثال: اعتماد الشفافية كمنهج عملي، وترسيخ مبدأ المواطنة الحقة بما فيها حقوق دافعي الضرائب، والشعور بالعدالة والمساواة والتوزيع العادل للثروة، وتحمل نفس الأعباء بالتساوي، وكذلك الحصول على نفس الحقوق والامتيازات وعدم التمييز بين المواطنين، وضرب الفساد وتجفيف منابعه، دون استثناء، ومراجعة القوانين والأنظمة التي تعطي امتيازات واستثناءات كبيرة للبعض على حساب المواطن البسيط الذي يترك له الفتات، وكذلك سن قوانين خاصة عن حقوق دافعي الضرائب، ومدى حاجة ذلك إلى وجود تشريعات وقوانين تحمي دافعي الضرائب وتحافظ على حقوقهم، كذلك أن تعمل هذه الدول على ترشيد النفقات للأموال التي تدفع كضرائب. ومن المهم جدًّا أن تتبنى هذه الدول سياسة تمكنها من المحافظة على الطبقة الوسطى والعمل على اتساع نطاقها، بما أنها هي الضامن الحقيقي لانتعاش الوضع الاقتصادي وازدهار الأسواق.