أرجوك لا تبخل في شحذ السكين

غسَّان الشهابي

كما كان المستعمرون في القرن الماضي يجتمعون وحدهم، ويقسمون المستعمرات والحدود العربية بعيداً عن أصحاب الشأن، وكأننا شعوب فاقدة الأهلية لا تُحسِن التصرُّف وتقرير المصير ومعرفة ما يجب عليها فعله، فإنهم يعُودُون بعد المائة عام التي مرَّت بوجوه جديدة وأسماء مغايرة، وعواصم مختلفة للتخطيط والتنفيذ، دون إرادة أصحاب الشأن ودون حضورهم وموافقتهم، بل من دون مناقشتهم وأخذ رأيهم؛ فالفكر المستعمِر هو نفسه لم يتغيَّر، لا يزال ينظر إلى هذه المنطقة وشعوبها على أنها فاقدة الأهلية، لا يمكنها تقرير مصيرها، لا يُقيم لها وزناً وليس من داع لتضييع الوقت في استشارتها، بل يمكن إنهاء الأمر بمعزل عنها  وإرساء ما لا يصلح لها على أرض الواقع.. هذه الشعوب التي باتت جثة واقفة على قدمين، منهكة لشدّة ما ركلتها أحذية أشكال الاستعمار المختلفة، وأجْهَزَت عليها الأنظمة المحلية -حتى لا نقول الوطنية- بتعريتها نهاراً على الملأ العالمي، وأذاقتها من صنوف العذاب والمهانة ألواناً، ومن سرقات الوطن والإثراء الخاص فنوناً؛ هانت على أهليها، فكيف لا تهون على من يسنّ السكين لذبحها على اعتبارها زيادة ضارة على البشرية، واستئصالها رأفة ببقية الشعوب الحية؟!

لطَالَما تساءلتُ عمَّا يشعُر به الكبش في الدقائق التي تسبق ذبحه، هل يشعر بتكهرب الأجواء؟ هل يشعر أن الساعة حانت؟ هل يتساءل: لماذا أنا؟ أو حتى: لماذا نحن من دون بقية الحيوانات؟ هل يعني له شيئاً صوت السكين وهو يُشحذ؟ هل يميز رائحة دماء من سبقوه وهو في طريقه إلى المذبح؟ هل يميز وجه ناحره؟ هل له القدرة على الهرب أو تغيير مصيره؟ هل من حيلة أو مخرج من هذا المصير المحتوم؟ كل ما نراه في وجه الخروف هو تلك العينان بنظرات لا معنى لها، ولا رسائل من وراء الصمت توصلها، ولا وصية لمن سيأتون من بعد أن تُغمضَا للمرة الأخيرة... هكذا هي العيون اليوم تدور في محاجرها، فارغة من المعاني، قابلة بما سيجري، قانعة بأن ليس لها من الأمر شيئاً، والمكتوب ليس منه "مَهْرَب"، وأن السكين قدر الرقاب... فيا هذا الذي تستعدّ لتبرك علينا بركبتيك، لا تتعب ساعديك كثيراً، سنّ سكينك واشحذ نصلها فلقد تهيّأت لك الأعناق، ونأسف مُقدَّماً أنك لن تجد دماء ترفع بها يديك دليل نصرك.