حسابات الظنون وحقائق الحسابات

محمد بن حمد المسروري

 

يحسب البعض أنَّ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب سفيهًا أو أحمقًا، ويُقال تارة إنِّه متهور ويرمي القول بفظاظة لا يراعي فيها أبسط الأخلاقيات في دبلوماسية الحديث إلى الآخر من باب الآداب واحترام الأذواق وعلى اعتبار أنه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وليس شيخ عشيرة أوقبيلة نبتت من فوق الأرض مالها من قرار، أو مثلما علمناه في مجتمعاتنا وآداب الأخلاق والتَّخلق مع الصغار والكبار.

ولكن الحال على غير الظنون ولأنَّ بعض الظن إثم فتوجب اجتنابه في كله، ياسادة ياكرام، ياحكام العرب وغيركم، جاء الرجل بأجندة تنفيذ وليس تخطيطاً لقضايا حسمت قبل مجيئه بوقت بعيد، ولكن بأسلوب المكاشفة والمواجهة المُباشرة، كان يصارع خصومه جسمانياً على حلبات المصارعة في بلاد تشتهر بهذا النوع من الرياضة التي تستهجن الأخلاق في ميدانها إذ المهم الفوز على الخصم ومن أساسيات أفكارها وقيمها الغاية تبرر الوسيلة، هذا طريق بداياته وهذا ديدنه، ترك الدبلوماسية خلف ظهره لأنه لا يفقه (أ ب) منها أو أنه أحالها إلى التقاعد المبكر في عصره،  فكاشف العالم كله بأهدافه وتوجهاته، ولكن على مراحل تسبقها أحداث تسوق لها لتجعلها مقبولة تمامًا (وهذه بأوامر وزارة خارجيته يأخذ بأحسنها تارة مع كبار يعلمهم)،  وأحياناً بالأمر المباشر لأصدقائه غير قابل الرجوع عنه تحت أي ظرف(نفذ تبقى) وإلا الرحيل قسرا طريقك إلى آخرة تعلم فقط شيئًا منها ويعلم ترامب مكانها ومستقرها عنده.

(الولايات المتحدة تدرس تكليف البحرية الأمريكية توفير ممرات دولية آمنة للسفن التجارية والناقلات النفطية في الخليج العربي، والبحر الأحمر مُقابل أموال تدفعها الدول الخليجية وشركات النقل الكبرى) هذا ماغرَّد به أحدهم بعنوان(كويتنا) وأقول ما الجديد في الأمر، ألم تطلب الكويت بداية، ومن بعدها دول الخليج الأخرى من هم داخل مضيق مسندم، حماية الولايات المتحدة الأمريكية لها أولاً ثم لسفنها حاملة الحياة إلى أمريكا وأوروبا وشرق آسيا، هي الدول ذاتها التي رفضت قبل ذلك خطة (عمانية) لحماية المضيق، قوامها تشكيل قوة إقليمية بحرية بمشاركة دولية من الدول المستفيدة من هذا الممر المائي الهام والخطير في الحين ذاته تسليحاً وتدريبًا لأفرادها،  وأن يكون بإدارة محلية خليجية صرفة لحماية المضائق العربية وأولها مضيق مسندم الذي تمر من خلاله تدفقات النفط الخليجية العربية إلى العالم، ومن خلاله كذلك تستورد هذه البلدان منتجات العالم الصناعية والزراعية والمنسوجات وإبر الخياطة وأعواد الكبريت قبل السيارة والطائرة ووقودهما الذي يتم استخراجه من أرض البلدان هذه دون أن تعلم كنهه ومستويات تكوينه بل وكيفية استخراجه قبل بلوغ مكامنه بين طبقات الأرض، تأتي إليها المنتجات جاهزة لاستهلاكه من كل القارات المعلومة وغير المعلومة، منتجات تتبعها أهداف سياسية ودينية واجتماعية، إلى هذه الدول التي يسيل المال  بين أيدي أفرادها دون أدنى مبالاة لقيمه ومعانيه، تارة بحساب آلافه وملايينه وأخرى بغير ما حساب أو عقاب ولكن دول الخليج والكويت بداية رفضت المقترح برؤية يومها أن عُمان تبحث عن وظائف لشعبها وستأتي بقوات الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة وهذا المرفوض لديهم يوم ذاك،  فإذا بهم في أقل من عام واحد يطلبون بإلحاح أن تأتي أمريكا بقواتها لحماية ناقلات النفط الخليجي إلى الخليج ثم بحر عُمان ومن خلاله إلى العالم، أمريكا وأوروبا أولا.

وفي الواقع هذا الأمر ليس بجديد في توجهات الولايات المتحدة الأمريكية، هذه خطط رسمت منذ فترات من الزمن كان أحد أساتذتها المنظرين لها /هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا ذات وقت، وهو الذي أنقذ الولايات المتحدة الأمريكية من هزيمة محققة في (فيتنام) عندما ذهب بكل الرضوخ ليس إلى الاتحاد السوفيتي النظير قوة إلى أمريكا يومها ولكنه بكل الدهاء بل والفهم للوقائع ولوسائل السيطرة على القوة القادمة من الشرق بتفاصيل مفاتيحها وليست اليابان ربيبة أمريكا كذلك، ولكن عدوة قادمة بكل ثقل المنافسة على الأسواق العالمية بصناعة كل شيء من أدقه إلى دقيقه، فأتاحت لها الحضور إلى مجلس الأمن مع حق النقض لقراراته(الفيتو) لم يجد غضاضة في ذلك لأنه من أمة لا تؤمن إلا بالقوة وحدها الكامنة في المال والسلاح والإعلام وقتها، ووسائل التحكم بها بكل الطرق والمكائد.

رسم هذا اليهودي الصهيوني، مجموعة من الخطط أحد أهدافها البعيدة  الجباية الكبرى، من جيوب ملاك المال من بلدان النفط الذين سال المال في جيوبهم فوجب استعادته، وهذا ماغرد به أحدهم،  فالظواهر لاتدل على حقيقة المخطط له ليكون هدفاً نهائيًا، على العالم أن يدفع لأمريكا كل ما لديه مقابل كذبة الحماية، أمريكا ومن خلال الموساد وأصدقاء محليين نفذوا الخطوات الأولى، تطبيقًا لتلك الرؤى(دس أنفك من خلال وكلاء محليين ولا تظهر جسمك للطيور)  أمريكا اتهمت إيران بداية وهذا متوقع، ترامب أعلن خطته، ولم يرد فيها اسم إيران ولكن دول الخليج التي ستدفع الثمن مع شركات التأمين والشركات العاملة في القطاع وجلها أوروبية، وستحظى الشركات الأمريكية بصورة معينة ومحددة مسبقاً بإعفاءات الضرائب الترامبية ظاهريا صهيونية إسرامريكية لتحقيق أهداف اقتصادية سياسية في مواجهة العدو المقصود (الصين)  وأكرر (الصين) الهدف الأبعد والحقيقي، وما إيران إلا شماعة حينا لتورية الأهداف البعيدة، ومن بينها بطبيعة الحال، مُحاصرة إيران وإثبات رؤيتهم بإقناع أصدقاء إيران للتخلي عن صديق تسبب في تعريض الملاحة الدولية وفق رؤيتهم وإقحام عمان عنوة في هذا الحادث وهم يعلمون مقدار الفرية ولكن إرضاء للصديق وهذا ما أكده وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية بعدم رغبة بلاده في الدخول في حرب مع إيران ولكن تدرس خططاً لحماية مضيق مسندم (ولن أقول بعد اليوم مضيق هرمز) فالهدف إذاً إنقاذ ما في جيب الصديق المطيع الى جيوبهم فحسب، مسوغ مناسب لتحوير الحقائق بغية امتصاص المال من خليج العرب دون استثناء بصرف النظر عن دمائهم ودموع الجوعى منهم، هذه السياسات ليست إلا وسيلة لتجفيف ما كان في الجيب، رضي القوم أم لم يرضوا، فعلينا أن نعلم بكل التيقن من الحاذق ومن الغبي والمستغبي.