لكل زمان قراءة.. وأداة

 

يوسف عوض العازمي

 

"حين تعزف أمة عن القراءة تكسُد فيها سوق الأفكار بموجب قانون العرض والطلب، وينحسر الإبداع، وتضمر الثقافة"

(محمد عدنان سالم -  مفكر سوري)

----------------------

على وزن لكل زمان دولة ورجال، أحدثك هنا عن القراءة والكتب، والآي باد والآي فون، وكتب الـPDF، وغيرها من وسائل القراءة في عصرنا الحاضر، ستلاحظ أني لم أذكر الكتاب!

الكتاب لا يزال موجودا، ويباع ويشترى، ويقرأ ويوضع على الأرفف كمكتبة عامة أو خاصة أو منزلية، وأحيانا هناك من يعتبر الكتاب أو مجموعة الكتب فوق الأرفف هي زينة للبيت، أو ديكور رائع، بل إن هناك من محلات التصوير الفوتوغرافي من يتعمَّد أو يضع صورة مكبرة لأرفف كتب مجلدة (الشكل العام يوحي بأنها كتب مرتبة بعناية فوق أرفف من الخشب الثمين) كي تكون خلفية للصور الشخصية؛ حيث يتخيل المتصور بأنه مهتم بالكتب، وتبارك الله لا يفارقها، بل ويأخذ "سيلفي" معها!! وذلك يعطي فكرة رمزية بأهمية الكتاب ومكانته.

للكتاب أهميته ولا أنقص من قدره، بل إني شخصيا لا أستطيع هجر القراءة واقتناء الكتب، لكن علينا الاعتراف بأننا وفي الوقت الحالي "السريع جدا" لم يعد الكتاب بنفس الأهمية كما كان سابقا، بالذات الكتاب المعلوماتي أو الموسوعي ذي المعلومات والأرقام؛ إذ بضغطة زر واحدة وسريعة على جهاز الهاتف أو الكمبيوتر تستطيع استخراج واستخلاص مئات -بل آلاف وملايين- المعلومات، فلا حاجة للتصحف وتقليب الأوراق، وتفتيش الكتب، وقضاء وقت ليس بالقصير بالبحث في ذلك.. إنها ثورة التكنولوجيا!

هناك كتب لا غنى عنها وهي ذات العلم الرصين، وأمَّات الكتب، وكتب الأدب بأنواعه، وغيرها من الكتب المهمة، لكنَّني أحدِّثك عن كتب المعلومة السريعة، كتب المعلومة رقم 1 والمعلومة 2 وهكذا، هذه لم تعد لها تلك الأهمية؛ إذ انتقلت للحواسيب الإلكترونية، وبذلك تكون الفائدة أسرع، وبالطبع لا غنى عن تواجدها ورقيا ككتب مُعتبرة.

هناك جِهات تجارية وغيرها اهتمَّت بتحويل الكتب إلى أنظمة PDF، أي تحويل الكتاب نفسه إلكترونيا، ويصبح بإمكانك تصفحه وقراءته عبر الأجهزة اللوحية أو النقالة، نفس الكتاب لكن بدلا من أن يكون ورقيا يتحول إلكترونيا، وفي ذلك فائدة ولا شك للمغتربين، وللذين لا يجدون نفس الكتاب في منافذ البيع، وهنا يبدر سؤال مهم: لو مثلا أراد المؤلف الفلاني تأليف كتاب، وبدلا من طباعته واتباع الإجراءات الرسمية لإصداره، عليه فقط الاتجاه للمادة المكتوبة والجهد الإلكتروني، ويصُف الكتاب ويرتبه إلى أن يخرجه بالكامل، ويضعه بصيغة PDF وممكن أيضا أن يسوق الكتاب بنفس الصيغة ويبيع إلكترونيا دون طباعة ولا أية إجراءات، كل شئ جائز!!

نحن في زمن التكنولوجيا، كل مُتخيل قد يصبح واقعا بأسرع مما تتصور، أصبحت العجلة في أحيان عديدة، هي الطريقة المثلى وليست الندامة، أصبح الآي باد مكتبة تضم آلاف الكتب، ويوضع حتى في شنطتك الصغيرة، أو حتى المحفظة، ما الذي سيصل إليه العلم، وما هو مستقبل الكتاب الورقي، بعد الكتان ثم الورق نعيش زمن الإلكترونيات، لكن تبقى للكتاب الورقي هيبته ومنزلته، وأهميته، بل إنني وبكل ثقة أؤكد أن الكتاب الورقي هو الباقي، فلا هو محتاج لشحن للهاتف أو الآي باد، ولا هو معرض لاختراق البرمجيات، ولا مشاكل السيرفرات، بل يكون ثابتا كالجبل، حتى القراءة بالكتاب الورقي لا تعادلها متعة، بل أعتبر أن القراءة عبر الأجهزة لا راحة فيها، حتى صحيا للعيون -حسب ما علمت- أن الجلوس وراء الأجهزة أوقاتا طويلة يؤثر سلبا على العين وحتى المخ.

يقول عباس محمود العقاد أحد أهم المفكرين العرب: لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمراً في تقدير الحساب.. وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، والقراءة -دون غيرها- هي التي تعطيني أكثر من حياة؛ لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق.

ويقول بيل جيتس صاحب مايكروسوفت: إن "القراءة الرقمية سوف تنتشر. إنها خفيفة ورائعة للمشاركة، مع مرور الوقت سوف تصبح القراءة المسيطرة"، لا أعتقد بصحة كلامه، أظنه يروج لمنتجاته، لكني فقط أتفق معه في قراءة المعلومات والبيانات، أتفق 100%، أما بقية الكتب ليسمح لي السيد جيتس بمخالفته، لا يمكن أبدا أن يتحقق ذلك بالشكل المطلق، هناك كتب أكبر من أن تُقرأ إلكترونيا، فلقرائتها طقوس خاصة، لها هيبة.

نعم، لكل زمان دولة ورجال، وآي فون وآي باد.. واعلم واسمع واقرأ أن القرَّاء الآن ليسوا كما كانوا سابقا، لأسباب عديدة، لكن يبقى الكتاب الورقي هو الأهم الأصل والأساس والأهم.

تعليق عبر الفيس بوك