صراع بين صفقة القرن وعودة القرن

 

علي بن مسعود المعشني

 

لا صوت يعلو اليوم فوق صوت التطبيع وصفقة القرن في قواميس عرب التطبيع لتمكين الكيان الصهيوني من التموضع بكل ارتياح في جسد الأمة العربية؛ كطرف طبيعي من أطرافها، ومكون طبيعي من نسيجها، حتى وإن تحدث بالعبرية واعتمر القلنسوة وافتخر بأنّ جذوره من كل بقاع الأرض.

الساحة العربية اليوم يملؤها الصراع بين المشروعين الصفقة، والعودة؛ فالصفقة بضجيجها الهوليودي المعتاد تصم الآذان بينما العودة تحمل يقين المفتاح الذي لا يصدأ ولا يخطئ طريقه لأي منزل أو باب، وفوق هذا تتناوب الأجيال على حملة لتكذيب مقولة الصهيونية جولدا مائير بأنّ كبارهم سيموتون وصغارهم سينسون في استدلال ورجاء منها على تغييب الحق العربي الفلسطيني وتمكين الصهاينة من فلسطين.

صفقة القرن اليوم هي تكرار مسخ لأحلام لم تتحقق أو تحول بعضها إلى كوابيس فالصفقة مشروع مكرر من حلف بغداد 1955م ومن مبدأ نيكسون (غوام) عام 1969م، وحلقات في سلسلة ما سُمي بالشرق الأوسط الجديد، هذا الشرق الذي بقي في رؤوس الغرب والصهاينة وأتباعهم لعقود كحلم يتداولونه ويصادره الواقع وإكراهاته. ضجيج الصفقة والتطبيع يرافقه ويوازيه هدوء المقاومة ومفتاح العودة واللذان يفرضان الواقع ويتحكمان به في جغرافية الصفقة المفروضة، لهذا ستنجح صفقة القرن ربما في جغرافيات أخرى غير جغرافيا فلسطين وما جاورها وهي عصب الصفقة ونواتها ومحورها.                                                      من المخجل والمضحك معا أن تتم تصفية قضية عادلة وجلية بحجم قضية فلسطين بطريقة أقرب إلى صالات القمار حيث تقدم الأموال والترفيه على كرامة وشرف وكبرياء وعزة وكأن هذا القيم صادرها عصر النفط والبورصة والتجارة الدولية ولم تعد من القيم البشرية.                                                                 الحقيقة التي لا مفر منها أنّ صفقة القرن هي عبارة عن حلم جميل يحمله الصهاينة العرب والأعاجم وهذا الحلم ليس وليد اليوم، ولكنهم يتجاهلون الواقع ويتخطونه ببلادة شديدة وكأنّ هذا الواقع وبما فيه من منغصات لهم لا وزن له على الأرض. نقول لأصحاب القرن وصفقته، أنّ من تسعون لتطبيعهم وتدجينهم هم بشر أسوياء وأصحاب حق وشعب جبار عبر التاريخ وليس "حوار" يراد استخلاف أمه بناقة أخرى، وأنّ الجغرافيا التي تحلمون بالتطبيع بداخلها هي جغرافيا ملتهبة وعصية ومتفجرة بكل أطياف المقاومات والسلاح، بدءا من الحجارة والبالونات الحارقة ووصولًا إلى الصواريخ بكافة أشكالها وأحجامها. فقللوا من غلوائكم وتفاؤلكم ورهاناتكم الخاسرة وتكرار تجربة المجرب.

فأقصى أحلامكم لن تتجاوز استنساخ كامب ديفيد أخرى أو وادي عربة أخرى لا أكثر ولا أقل، حيث سترفع أعلامكم وستتبختر وفودكم وساستكم الرسميين وفي وسائل الإعلام ولكنّكم ستبقون كالجدري والطاعون في أذهان الشعب العربي قاطبة، وهذا هو مقتلكم والانتكاسة الحقيقية لمساعيكم ومصير صفقتكم، والتي حاولتم طلاءها بزيف الواقع والترهيب والترغيب وكل مقتضيات لغة الكاوبوي وغمستموها بلون النفط ورائحته وبهرجتم أغلفتها بأسماء وجغرافيات عربية، ولكن كل ذلك مرهون بفناء أمة بكاملها حتى يمر هكذا غثاء وباطل، سينتصر المفتاح وسيحقق المعجزات وستنتصر بندقية المقاوم وصواريخه وبالوناته وحجارة الأرض المباركة، وسينتصر الدم على كل الأسلحة الفتاكة لأنّه دم حق وحقيقة.                                                                   

قبل اللقاء: من لم يتمكن من تمرير حلف بغداد في زمن الوهن والتمزّق والاحتلالات فلن يتمكن من تمرير صفقات مشبوهة ولا تمكين للباطل في زمن ثورة الاتصالات والشفافية وسلاح المقاومة.

وبالشكر تدوم النعم.