ثروات النفط والغاز تُشيْطن إيران

 

 

حمد بن سالم العلوي

 

نظرًا لأنّ إيران تجاور دولا كثيرة وعديدة ومتنوعة الثقافات والأديان والجغرافيا والقوميات، وهي باكستان، أفغانستان، تركمنستان، أذربيجان، جورجيا، أرمينيا وتركيا وفي الجانب العربي العراق، الكويت، البحرين، السعودية، قطر، الإمارات وعُمان، إذن هناك 14 دولة تجاور إيران، ولكن لا نجد أياً منها يشكو من عداوة إيران وخطورتها عليه، إلاّ ثلاث دول عربية، وهي: السعودية والإمارات والبحرين، رغم أنّ إيران لم تعلن أنّها عدوة لأحد إلا لإسرائيل، بل تكرر على الملأ أنّها تنشد العلاقة الأخوية مع كل جوارها العربي، وفي المقابل هذا الجوار المناهض لإيران، لا يزال يواصل الهجوم الإعلامي على إيران ومسؤوليها.

أليس من حقنا أن نتساءل عن سر هذه العداوة العنيفة بين السعودية وإيران؟! وإن كانت قد غُلِّفت برداء مذهبي مقيت، ولكن ذلك لا يكفي كسبب لهذه العداوة الشنيعة، والتي تحرم حتى الحوار مع إيران، فهناك من الدول الكثيرة الأخرى، وهي ليست كلها على المذهب الشيعي، وبعضها ليست على الدين الإسلامي بالمطلق تقيم علاقات ممتازة مع إيران، إذن لن نجد علة تناسب هذا العداء الرهيب غير علة ثروة المال لدى الجانب العربي ومصدره النفط والغاز، فهي ما جعلت إيران عدوة لبعض العرب، طبعاً ليس طمعاً في الثروة الإيرانية، التي أصبحت محرمة على الغرب من غير وجه حق، وأنما المستهدف هنا الثروة والمال العربي، الذي حرم منه أهله وشعوبه، وسلبه مستر ترامب وما زال مستمراً في الفعل، وسيظل هذا المال يجري دون انقطاع باتجاه أمريكا والغرب، وبدون عداوة إيران القوية لن يجدوا بعبعا مخيفًا ومناسبا للمسرحية، ولن تتحرك الأموال خارج خزائنها بدون سبب، وليس من شيء أفضل من عداوة إيران للسعودية والإمارات، ولو كان من وجهة نظر الغرب وحسب، خاصة وأنّها قد أصبحت إيران بعد نجاح الثورة على الشاه، خارج نطاق نفس الكفيل المشترك.

إذن؛ أن يُصنع من إيران عدو لدود يُعد ضرورة ملحة لأمريكا والغرب، ولن نكرر ذكر إسرائيل التي أصبحت شريكا إستراتيجيا مفضَّلا للجميع- وأقصد هنا بالجميع الغرب وبعض العرب- وأمريكا تأمر بهذه العداوة لتضمن قربها من أماكن تدفق الثروة النفطية، وللحفاظ على الواردات والمداخيل النفطية في البنوك الأمريكية، وتشغيل مصانع السلاح لإنتاج أسلحة حديثة للجيش الأمريكي، أمّا التالف منها أو المتخلف عن مواكبة التسلح الحديث، فإنه يُباع إلى دول النفط، لحماية نفسها نظرياً من خطر غير موجود في واقع الحال، أو لتخريب وتدمير دول عربية أخرى خارجة عن الطاعة، أو تحاول التمرد والتنمر أو بهدف التحرر من سياق القطيع، ولأنّ أمريكا تعرف هذه الحقيقة بأنّها مهما باعت من أسلحة للعرب، فهي ليست لحرب جدية، لذلك تجدها تصرح علناً بأنّها هي حامية دول النفط، وهي تقول ذلك ودون خجل أو حرج من الطرفين.

لقد زمجرت وأرعدت أمريكا مؤخراً، وأرسلت قوة ضاربة بقيادة حاملة الطائرات أبراهام لينكولن إلى الخليج، وبعض الطائرات الاستراتيجية للحرب لا لنشر المحبة والسلام، وهلل لها فرحاً من سموا أنفسهم "صقور الخليج" لحرب إيران، وانتشرت صوراً في شبكات التواصل الاجتماعي، تظهر حاملة الطائرات وهي تسير وسط كوكبة من عشرات سفن الحماية، وكأنّها في زفة عروس، فأخذت لها لفة في مياه الخليج، ولكن يُقال أنّها غادرت الخليج إلى أعالي البحار، حتى لا تظن إيران أنّها أتت لمحاربتها، أو أنّها ربما تشكل خطراً عليها، وكما هو مخطط وقعت صفقة أسلحة بـ8 مليارات مع صقور الحرب في الخليج، ولا ننسى أن كل تلك المناورة البحرية، هي أيضاً مدفوعة الثمن من خزائن العرب، وهذا الذي لا يخفيه مستر ترامب، فهو يقول دائماً عليكم بالدفع عن طيب خاطر، وعلينا الحماية إذا شئنا، وأعتقد أنّه يقصد الحماية النظرية، أمّا إذا نشبت حرب بين العرب وإيران، فلن تكون أمريكا طرفاً فيها.

وهنا نقف للتساؤل مرة أخرى، عن مغزى حرب العرب مع إيران؟! فإذا كانت واشنطن قدَّرت أن الحرب مع إيران لن تكون نزهة، وأعلنت بوضوح أنها لا تريد الحرب مع إيران، وحتى مسألة تغيير السلوك الإيراني، لم يعد مطلباً أمريكياً كما كان في السابق، وأنّ مستر ترامب صرح من اليابان متغزلاً بعظمة إيران، بقوله: إنّ إيران ممكن أن تكون دولة عظيمة وبحكامها الحاليين، وهذا قفلٌ للموضوع ورمى بالمفتاح في البحر، وأنّه يريد التفاوض معهم، وهذا الكلام يؤكده حديث محلل سياسي إيراني مطلع، فقد قال إنّ مستر ترامب قد بعث بـ12 رسالة خطية للإيرانيين يعرض عليهم الحوار، وحدث هذا والأزمة الحالية قد بلغت أوجها إعلاميا على الأقل، ولكن الجانب الإيراني مازال يرفض الاستجابة له، فهلاّ أوضحتم لنا أين ذهبت نخوتكم الترامبية في حرب إيران؟!

لكن لو افترضنا جدلاً، أنّ النفط نضب أو انتفت الحاجة إليه، هل ستظل أمريكا حامية حمى أرض قاحلة؟! وهل سيحتاج الأمر أن تكون إيران عدوة للسعودية؟! قطعاً لا؛ بدليل أنّ هناك دولا كثيرة تقع في جوار إيران، ولكن لا دولة واحدة من تلك الدول تشكو خطر إيران عليها! ولا رغبة في تشييع شعوب تلك المناطق المجاورة، وكأنّ الأمريكان قلبهم مكلوم على الدين الإسلامي الحنيف، وأنهم ليس هم من أعلنها حرباً صليبية على العراق وأفغانستان عام 2001م من قبل بوش الصغير، أفي القرن الحادي والعشرين يظل ينضحك علينا كشعوب وأمم؟ وذلك دون الحكام طبعاً الذين بينهم خطوط ساخنة مع أمريكا، إذن علينا أن نفكر في السبب القوي لهذه المعضلة الكبرى، ولن نجد لها دافعا إلا المال، فقيل قديماً من عنده الذهب إليه تجد الناس قد ذهبوا، أمّا من ليس لديه من المال فضة فسترى الناس عنه منفضة، وأقوال وحكم الأوائل لا تنتهي بذهابهم عنها.

فهل تنظرون إلى خيبة أمل أكبر من هذه الخيبة، نصيحتي لكم- وأنا مواطن من هذه المنطقة- أن تعقلوا وأقصد هنا على وجه الخصوص (م2) وإن الحرب مع إيران، إن وقعت لن تأتي إلا بالخيبة على رؤوس شعوب المنطقة، وسينتج عنها دمار كبير في الطرفين، ولكن طرفنا نحن العرب هو الأضعف، ومراهنتكم على إسرائيل، ليست إلا كما راهنتم على ترامب، وإن حلمكم بتدمير إيران ليخلو لكم وجه أبيكم ترامب.. لن يتحقق، وإن وعد إسرائيل لكم، بأن تكونوا حكاماً عظماء لن يحدث، وحتى إن حدث لن تكونوا أفضل حظاً من سالفكم ملك الحجاز الشريف الحسين بن علي، الذي وعده البريطانيون بتنصيبه ملكاً على الأمة العربية، إذا ما ساعدهم في التخلص من الدولة العثمانية، وقد انتهى به الحال منفياً في جزيرة قبرص، فظل في الإقامة الجبرية حتى وافاه الأجل المحتوم هناك.

فإن عقلتم- وهذا أمر مشكوك فيه حالياً- فليس أمامكم إلا التصالح مع إيران، فقوة إيران ستحجز عنكم بطش أمريكا وإسرائيل، وستتفرغون أنتم- إن كان هذا يهمكم طبعاً- لتنمية بلدانكم والرقي بشعوبكم، بعدما توظفوا عشرات الأطباء النفسانيين، وذلك لغسيل أدمغتهم مما لوثتموها بفكر الحقد والكراهية للآخر، وعندئذ سيكون بإمكانكم أن تعيشوا عيشة طبيعية مع شعوبكم وجيرانكم، بشرط أن تعلنوا توبتكم من كل الجرائم التي اقترفتموها في حق الأمة العربية، وأن توقفوا كل الحروب العبثية في العالم العربي ما ظهر منها وما بطن، وأن تلغوا كل مراكز التجسس الصهيونية التي تعشعش في بلدانكم، وإعلان نبذ هذه العادة السيئة التي أصبحت ظاهرة في تصرفاتكم السلوكية البغيضة.

إنّ عُمان أيّها السادة، تحمل رسالة سلام تاريخية ولن تتخلى عنها، حتى وإن صعب عليكم فهمها، وهو أمر حتمي.. ألا تعرفون هذا؟ فأنتم أعماركم صغيرة مقارنة بعُمان، وأنّكم لا تحبون القراءة لتعويض ما فاتكم من معرفته، وحتى إن قرأتم فحقدكم وكراهيتكم لعُمان نظير اختلافها عنكم، لا يجعل أمامكم مجالاً للفهم، وهذا أمر طبيعي تقدره عُمان لأنّها تعرفه، وتعرف أيضاً أنّ المرء جُبِل على معاداة ما يجهل، حفظ الله عُمان وسلطانها الفذ الحكيم، وحفظ الله الشعب العُماني الأبي، وشعوب المنطقة الكرام..

اللهم آمين يا رب العالمين.