الأخلاق بين قفص الاتهام

 

 

د. عبدالله بن سليمان المفرجي

دكتوراه قانون باحث ماجستير التربية تخصص تكنولوجيا التعليم

 

‏مِمَّا يُرْوى عن الفيلسوف أرسطو أنَّه قال: "من صفات الرجل النبيل ألا يطلب المعروف، بل أن يكون مستعدا لتقديم المعروف للآخرين".  وقال الإمبراطور الروماني الفيلسوف ماركوس أوريليوس: إنَّ الإحسان "أعظم متعة للبشرية".

والغريب في الأمر أنَّ القلوب الطيبة مظلومة دائمًا؛ لأنها أسرع من يفتح الأبواب، ويُقدم المعروف والإحسان، وأول من يتلقى الضربات الموجعة، واللكمات الدامية، ومع ذلك فقد نظر البعض إلى الطيبة لفترة غابرة على أنَّها شيءٌ مشكوك فيه. والطيب أبله، وتلك السجيَّة ترتبط في الأذهان بالضعف والهوان، وعدم التركيز على تحقيق الإنجاز والإبداع والتميز. فهل اختلفت نظرات النَّاس لهذه القيمة القديمة والكنز المفقود في مجتمعات الإنسانية؟

لا يشغل بالك من صفَّق لك ومن سخر منك، اجعل بصرك على هدفك وحلمك، سر إلى هدفك في قوة وصمت وإصرار وتحدٍّ و‏لا تستسلم بسهولة؛ فقد تكون أنت قدوة لكثيرين رأوا فيك إصرارًا على التغلّب على مشاكل الحياة ومصاعبها، وتمنوا أن يكونوا أنت، فكُن جديرًا بهذه الثقة. فمن تعرض للمصاعب ثبت للمصائب، ومن لم يركب الأهوال لم ينل الآمال، ولا تثق في البدايات فأصدق الكلام يُقال في اللحظة الأخيرة، بعد المحن تأتي المنح. فالبدايات المحرقة تتبعها نهايات مُشرقة، ولابد للنور أن يسطع بعد ديجور الظلام وغياهب الجهل.

يقول جبران خليل جبران: إذا شعرت بالحاجة إلى يد دافئة فأمسك بيدك الأخرى فلن يهزم شخص يؤمن بنفسه (أي: بقدراته).

ودائمًا عندما يجرح الطيبون، يتوعدون بالانتقام المُوجع، ولكن حين تأتيهم الفرصة على طبق من ذهب تصرخ ضمائرهم العفو عند المقدرة "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (الشورى:40)، "إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا" (الإسراء)، "إذا قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة؟" (غاندي)، فحافظ على مكانتك أيها السراج المضيء، وامض على وقارك وأخلاقك السامية الراقية، ورد الإساءة إحساناً لأنها دليل على علو النفس، وسمو الأخلاق، وعظم المنزلة، فكن عظيماً ولا تسر إلى مهاوي الردى، ومسالك الهوى فأنت الرابح بلا محالة مهما تعجرف وتطاول الخصم وتمادى في غيه وزلته فإنِّه في قرارة نفسه سيشهد بحسن أخلاقك، وعلو قدرك، وسمو فكرك، ولن ينسى لك أبدًا موقفك الرائع وسلوكك القويم، وحكمتك في التعامل مع مجريات الأحداث، وتلك أخلاق الأنبياء والمرسلين: "قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (يوسف)، "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

تعليق عبر الفيس بوك