من ينقذ سوق الأوراق المالية

 

محمد بن عيسى البلوشي

كاتب وصحفي اقتصادي

 

خرج المحدثون من الأمسية الرمضانية الأولى لغرفة تجارة وصناعة عمان حول (واقع الأسواق المالية العالمية وتأثيرها على سوق مسقط للأوراق المالية) وبدأت الأسئلة تنهمر بعد أن كشف المتحدثون عمق الجرح الغائر في سوق الأوراق المالية، ونزيفه الذي أفقد مؤشره العام نقاطا وأوصلته إلى مستوى لم يصل إليه منذ خمسة عشر عاما.

بالعودة إلى الوضع السائد في السوق الذي تحدث عنه المشاركون في الأمسية بكل شفافية وموضوعية، يؤكد المتحققون بأن أحجام وقيم التداول ليست بمستوى الطموح الذي يأمله المستثمر، فبعد أن كانت تلك الأحجام تفوق أحجام التداول لأكثر من سوق مالي بالمنطقة في 2001 -كما أشار مدير عام سوق مسقط- عادت تلك الأسواق وتفوقت على أداء سوق مسقط بعد أن تدخلت حكوماتها من خلال إدارج شركات عملاقة، وتراجع أداء السوق والكل يتلمس الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع، وتتجه أصابع المسؤولية إلى الجهاز المنظم والمشرع والمراقب عن سوق المال.

ما لا يعرفه الكثيرون هو أنّ سوق مسقط هو مفعول به وليس الفاعل، فالسوق منصة يتم خلالها تنفيذ جميع العمليات الخاصة بالاستثمار في قطاع الأوراق المالية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم إدارة السوق بتوجيه المستثمرين في اتجاه استثماري معين، بل عليها حماية حقوق المستثمرين وتوفير أقصى درجات الشفافية والعدالة للمتعاملين باستخدامها لأنظمة وتقنيات رصينة.. إذا من هو المسؤول؟!

الجدل دائر في غياب الأدوار الحقيقية التي من المفترض أن تلعبها شركات الوساطة المالية، فآراء الجهة المنظمة تذهب إلى أنّ دور تلك الشركات لا يقتصر على تنفيذ عمليات البيع والشراء، بل يتعدى ذلك بتوفير الدراسات التحليلية اللازمة عن شركات المساهمة العامة وتوعية جمهور المتعاملين عن أداء تلك الشركات ومدى قدرتها على تحقيق طموحاتهم الاستثمارية، وأيضا التسويق لفرص الاستثمار التي توفرها السوق داخليا وخارجيا، ولكن ما كشف عنه الرئيس التنفيذي للشركة المتحدة للأوراق المالية حول محاولات الشركة الجاده في زيارة بعض الشركات المساهمة العامة والجلوس إليها للقيام بهذا الدور، وتمنع تلك الشركات من الإدلاء بأية معلومات دون إذن من الجهات المختصة، يفتح الباب على ضرورة قيام الهيئة العامة لسوق المال بتنظيم هذه العلاقة لتتمكن شركات الوساطة من أداء دورها في توفير الدراسات اللازمة.

في الحقيقة ليست هذه المشكلة الرئيسية التي ستحل ضعف أحجام التداول، ولكن يبدو لي أنّ في إشارة مدير عام سوق مسقط حول شح الأسهم الحرة القابلة للتداول وضرورة وجود شركات كبيرة ذات رسمايل عالية بحيث توجد سيولة عالية تجذب المستثمرين والمضاربين هو سبب آخر يجب أن نلتفت إليه، فكما أكد أحمد المرهون في حديثة بأنّ دخول الشركات ذات الرساميل الصغيرة لا تغني ولا تسمن من جوع لأنّ بعد إدارجها بأيام يستحوذ عدد بسيط من المستثمرين على تلك الأسهم، وهنا نؤكد بأنّ السوق يحتاج إلى عمق أكثر من خلال دخول شركات عملاقة قد تكون حكومية أو عائلية وتوجد الفارق في أحجام وقيم التداول.

إنّ محور القضية التي دارت عليه الأمسية الرمضانية، هو من هي الجهة الحكومية المسؤولة عن الحال التي وصلت إليها سوق مسقط؟ وكيف لها أن تعود إلى مسارها الطبيعي وتكون إحدى الأسواق الجاذبة للاستثمارات والمستثمرين؟ وهذا ما يمكن أن يناقشه مجلس الوزراء المؤقر، مع المواضيع الأخرى التي يمكن للمجلس الاطلاع عليها مع الإدارة التنفيذية لسوق مسقط للأوراق المالية والتشريعية والرقابية المتمثلة في الهيئة العامة لسوق المال.

لا شك أنّ رعاية الحكومة ودعمها لسوق مسقط في ظل الأوضاع الراهنة هو مطلب ملح يتفق عليه المختصون والاقتصاديون، خصوصا في ظل تأثير الأوضاع الجيوسياسية على أسواقنا المحلية، ومن المهم أن تتفهم جميع الأطراف أنّ سياسات الأسواق تبدلت وتطورت بشكل متسارع خلال السنوات الماضية، وأصبحت الحكومات أكثر قربا من أسواقها كونها انعكاسا لأدائها العام وسمعتها الاقتصادية والمالية في العالم.

كلمة شكر وافية أقدّمها لغرفة تجارة وصناعة عمان بأن فتحت هذا الملف الاقتصادي المهم في هذا التوقيت الحساس والبالغ الأهميّة، وكلمة شكر للمشاركين الذين تحدثوا بكل وطنية ومصداقية وشفافية لتشخيص حالة سوق الأوراق المالية، ونرجو من حكوماتنا أن تكون لها كلمة الفصل في قادم الوقت.