زكاة الأموال المقروضة

 

طالب المقبالي

يعتقدُ كثيرٌ من الناس أنَّ الأموال المقروضة للآخرين لا تجب فيها الزكاة، وهذا أمرٌ خَطِير؛ فهُناك أموالٌ استغنَى عنها أصحابها في وقت من الأوقات، وكانوا في غنًى عنها؛ فبمجرد أن سألهم بعض الأرحام أو الأصحاب للاقتراض أعطوهم إياها من باب كسب أجر فك كربة، تيمُّناً بالحديث النبوي الشريف، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من فرَّج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لهذا؛ فهُناك أموال في أيادي المقترضين لم يتمكَّنوا من سدادها؛ وبالتالي فالزكاة واجبة عليها إذا بلغت النصاب.

وتأكيداً لذلك، تواصلت مُباشرة في شهر رمضان قبل الماضي للعام 1438هـ، مع فضيلة الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة، فسألته عن هذه المسألة، فقال: نعم، تجب الزكاة في الأموال المقروضة إذا بلغت النصاب. وفي رمضان الماضي للعام 1439هـ، سألته عن زكاة الأموال للأشخاص من ذوي الإعاقة الذين يعانون من إعاقات ذهنية ولا يدركون هذا الأمر، فقال: نعم، تجب عليها الزكاة إذا بلغت النصاب، وإن كانت للمعاقين أو الأيتام أو غيرهم، طالما الأموال مُدَّخرة ولا تنفق للمعيشة.

وهنا.. يتساءل كثيرٌ من الناس فيما لو كانت هذه الأموال في أيدي أصحابها لأنفقوها ولن تجب فيها الزكاة، إلا أنها محبوسة في أيادي أشخاص آخرين غير قادرين على الوفاء بها، فإن الزكاة تجب عليها؛ وبالتالي يجب أن يتحمل المُقرض دفع زكاة أمواله المقروضة.

وهنا.. يجب على المقترضين أن يُرَاعوا هذه النقطة، وأن لا يحملوا مقرضيهم تبعات عجزهم عن الدفع، وتحميلهم أعباء لا ذنب لهم في تحملها، والتعجيل بتدبر أمورهم.

والذي دفعني لكتابة هذا المقال تجربة مررت بها، ولم أكن أنوي أن أُطْلِع عليها الآخرين؛ ففي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، اقترضتُ من والدتي -رحمها الله- مبلغاً يساوي أضعاف النصاب، وكانت الغاية من القرض مُساعدتي لبناء منزل يأويني ويأوي أسرتي، وكان راتبي حينذاك ضعيفًا، وكانت غاية والدتي أن تجنِّبني القروض الربوية حين ذكرت لها أنني سأقترضُ من البنك، فأعطتني جميع ما تملك من مال.

والدتي -رحمها الله- تعلم جيداً أنَّني لا أستطيع الوفاء بهذا الدين في القريب العاجل. وفي المقابل، والدتي لا تستطيع أن تمنحني المبلغ لوجود شقيقين آخرين لي؛ فمن باب الورع أن تساوي بيننا في العطاء، وهي لا تملك المال، وأنا كنت أجهل أن المال المقروض يستوجب دفع الزكاة، فكانتْ والدتي -رحمها الله- تدفع الزكاة سنويًّا دون أن أعلم بذلك، ودون أن تُشعرني من قريب أو بعيد بذلك، ولم تُطالبني يوماً بإرجاع المبلغ، وكانت وصيتها أنَّني أسدِّد المبلغ لإخواني بعد موتها إن لم أستطع السداد في حياتها -رحمها الله- وهذا ما حصل بالفعل، حيث انتقلت والدتي -رحمها الله- إلى الرفيق الأعلى، وأنا في ذمتي كامل المبلغ الذي اقترضته منها، فلا هي استفادت من المبلغ، ولا الدين والشرع يعفيها من دفع زكاة الأموال بواقع 2.5% من نصاب زكاة الأموال.

وبالفعل، قمتُ بالسداد بعد وفاتها، وسقط نصيبي من الورث بعد اقتسام الديون على الورثة.

فكم من مُقتَرِض تمتَّع بالأموال التي اقترضها، وكم من مُقرِض تكبَّد دفع الزكاة وهو غير مُقتدر، لكنه مُضطر طالما يوجد مبلغ مقترض قد بلغ النصاب.

بقِي أن أعرفكم أن مدة القرض منذ الاقتراض وحتى السداد تسعة وعشرون عاماً، وبعد احتساب مبلغ الزكاة الذي دفعته والدتي فقد قارب أن يصل كقيمة القرض نفسه، فهل من معتبر؟!

الأكثر قراءة