جداد المبسلي

 

طالب المقبالي

أيام قليلة تفصلنا عن موسم القيض بهجيره وخيراته، فالقيض في المفهوم المحلي هو موسم جني ثمار الرطب وما يُصاحبه من ثمار موسمية.

وقبل أن أختار العنوان الحالي لهذا المقال كنت قد عنونت مقالي بعنوان "معصور مالح" وأدرك جيداً أنَّ هذا العنوان قد لا يروق للبعض، وقد لا يعيه كثيرون، لكنه يحمل في مضمونه أشياء جميلة، وموروث جميل من العادات العُمانية في تنوع الأكلات الشعبية في عُمان.

قبل أن أدخل في صلب المقال أود التعريف بالعنوان وبمعناه حتى يعيش القارئ العزيز تفاصيل الأحداث التي تتزامن مع موسم الصيف الذي حوله الإنسان العُماني إلى متعة، وأصبح الصيف موسماً ينتظره كل إنسان يعيش على هذه الأرض الطيبة، لما للصيف من مُتعة خاصة رغم هجيره الذي لا يُطاق في عصرنا الحالي إلا باستخدام أجهزة التكييف.

"معصور مالح" هي وجبة شعبية لطيفة وخفيفة محبوبة من العُمانيين بالخصوص، وغالباً ما يتزامن بل ويطيب موسمها في موسم الصيف، وهي عبارة عن سمك مملح بنظام التقديد، حيث يطهى السمك مع الماء حتى تخف ملوحته، ومن ثم يقطع قطعاً صغيرة وتغمر في إناء مملوء بالماء ويضاف إليه البصل والليمون والزعتر الجبلي، ثم يُتناول مع الرز الأبيض.

لقد احترت بين هذا العنوان وبين "جداد المبسلي" فالعنوانان تربطهما طقوس مشتركة تحديداً في شهر يونيو من كل عام حين يبدأ حصاد نخلة المبسلي التي كانت تُعتبر ثروة وطنية ومصدراً من مصادر الدخل وعنواناً للثراء في السلطنة، حيث تصنع منها البسور التي تُصدَّر للخارج بكميات تجارية وبالأخص الهند وبعض الدول الآسيوية، حيث تقدم البسور العمانية في موائد الملوك والطبقات الثرية في تلك البلدان، وكانت تباع بأسعار مرتفعة لا يستطيع شراؤها إلا الأثرياء، وأشبهها الآن بتجارة تصدير الصفيلح.

ونظراً لأهمية البسور، يأتي الاهتمام في السلطنة بنخلة المبسلي والاعتناء بها، وتقام الطقوس في وقت الحصاد وجني الثمار والتي تعرف بموسم الجداد، حيث يجتمع الرجال والنساء والأطفال لجمع الحصاد، وكلٌ له دوره، ويقدم أصحاب العمل وجبة الغداء التي غالباً ما تكون الرز مع معصور المالح، ونادراً ما يكون معصور عوال.

فهناك فريق يصعد النخيل لقطع عضوق ثمار النخيل وتعرف بعملية الجداد، ويربط حبل متصل من أعلى النخلة موصل بالأرض يمسك به رجل أو أحد الشباب أو امرأة ويعرف باسم؟ "الموراد" يرسل من خلاله الجداد عضوق النخلة التي تعرف باسم "العسقة"، وفي الأسفل يستقبلها المكلفون بهذه المهمة. وكل فريق عمل له عدد محدد من النخيل، كلما انتهى من نخلة انتقل إلى أخرى.

وهناك من بين الفريق من يقوم بعزل الثمار الناضجة أو الراطبة التي تحولت إلى رطب، ويبقى البسر هو المطلوب لعملية التبسيل، فتحمل العضوق التي تمت تنقيتها بواسطة الحمير إلى مكان التبسيل، وهناك فريق آخر يقوم بعملية فصل البسور عن العضوق، أو عن العسقة، ومن ثم يفرغها في المراجل.

ومن لا يعرف التبسيل فإنِّها عملية طهي البسور في مكان خاص يسمى "التركبة" والتركبة مهيأ بها مراجل كبيرة يتراوح عددها بين 2 و3 حيث تغلى البسور بالماء حتى تنضج وفق المدة المعروفة التي يتطلبها هذا العمل.

ثم تجمع البسور المطهية في مكان مخصص كي تنشف من الماء وللتبريد قبل نقلها إلى المسطاح وهو المكان المُخصص للتجفيف تحت أشعة الشمس، ومن ثم تنقى وتكيس في أكياس قبل نقلها إلى المخازن ومن ثم التصدير إلى الخارج عبر البواخر على شكل بسور مجففة.