قراءة في برنامج الكفاءات الحكومية الثالث

 

د. محمد بن سعيد الشعشعي

تشرَّفت بأن أكون مرشحا من قبل وزارة الإعلام للالتحاق ببرنامج الكفاءات الحكومية في نسخته الثالثة، والذي بدأ في شهر ديسمبر الماضي ويستمر إلى شهر يونيو من هذا العام، ونحن في الشهر الخامس، كتبتُ هذا المقال مستبشرًا خيرًا بنتائج هذا العمل، أو بمعنى أصح بمخرجات هذا البرنامج، نُدرك أنَّ الإشادة او الإطراء أو حتى التقييم لأي عمل يجب أن يكون بعد الانتهاء من إتمامه، فهو الأجدى في تتبع أي عمل، كما أن نقل التجربة من موقع الحدث إلى الآخرين إحدى وسائل التعلم والمعرفة في العصر الحديث، كهدف نسعى إليه من هذا الحديث.

يرى البعض أن مدة البرنامج طويلة بعض الشيء، تستمر لمدة ستة أشهر تقريبا، بمعدل خمسة إلى ثمانية أيام من كل شهر، ولكن الحجة في ذلك أنه حتى يتوصل البرنامج إلى هذه المخرجات النوعية التي يسعى لها، لا بد من هذا العمل المكثف الذي لا تقل مدة ساعاته عن خمس ساعات يوميا طيلة مدة البرنامج.

عدد المشاركين في هذه النسخة 48 مشاركا من مديري العموم ومن في مستواهم من القطاعين الحكومي والخاص. وهؤلاء المشاركون منتقون بدرجة عالية الدقة وباختيار موفق من جهات عملهم، وفي هذا المقام أشيد بكفاءة جميع الزملاء في هذا البرنامج؛ وذلك لما يملكون من معارف وإدراك عميق لمتطلبات العصر التكنولوجي القادم، ولا شك أن وحداتهم التي ينتمون إليها هي التي أهَّلتهم التأهيل السليم حتى وصلوا لهذه الدرجة المعرفية المشرقة، ناهيك عمَّا يملكونه من مؤهلات ومعارف وخبرات وظيفية نستشف منها نورا يضيء لعمان مستقبلا زاهرا  لامتلاكها كوادر ذات مستوى عالي المقام في الإدارة والقيادة وإدارة الوقت وتطوير مستوى الإنتاج.

تنوَّعت فقرات هذا البرنامج الرائع بين المحاضرات لأساتذة رائعين من داخل وخارج السلطنة، ومختارين بدقة متناهية، ليُثرونا بما لديهم من معارف وخبرات وتجارب.

أيضًا من جدول هذا البرنامج لقاء مع شخصية قيادية من السلطنة؛ حيث يلتقي المشاركون في هذا البرنامج مع هذه الشخصية في حوار مفتوح بعد أن يشرح -هذه الشخصية- سيرة مقتضبة عن حياته الشخصية والعملية وتجاربه الرائدة لخدمة هذا الوطن العزيز، وكان من حسن حظنا أن قابلنا شخصيات عمانية ممتازة نفتخر ونفاخر بها حقيقة، واستفدنا منها الكثير، وأعطتنا تجارب وأمثلة للنجاح، فقد تشرفنا في الشهر الأول بلقاء معالي الشيخ خالد بن عمر المرهون وزير الخدمة المدنية، في لقاء مفتوح أخوي ودي لمدة ساعة؛ تحدث خلالها عن حياته الشخصية وهواياته وعمله الدبلوماسي داخل وخارج السلطنة، وكذلك تجربته في مجال العمل الخاص ومكتبه القانوني؛ حيث نعلم بأن الشيخ خالد كان محاميا قانونيا محنكا، ولديه كتابات ودراسات معروفة في هذا المجال.

من القيادات المميزة التي التقيناها في هذا البرنامج الدكتور عامر بن علي الرواس الرئيس التنفيذي السابق لعمانتل، والدكتور عامر من الكفاءات الوطنية التي يشار إليها بالبنان، فقد أثرانا بما عِنده في حدود الساعة بين نجاحاته المختلفة، وتحدث عن كيفية إدارة الوقت والمثابرة والاستفادة بقدر المستطاع من التكنولوجيا الذكية التي أصبحت القوة التي تحكم العالم اليوم.

وثالث القيادات في برنامج النسخة الثالثة المهندس عبدالرحمن الحاتمي الرئيس التنفيذي لشركة أسياد -الشركة العمانية العالمية للوجستيات، التي تشمل مظلتها الموانئ والمطارات والمناطق الحرة وشركات النقل البرية والبحرية- أطلعنا المهندس الطموح على تجربته الشخصية والعملية التي بدأها في شركة تنمية نفط عمان كمهندس شغوف للإنتاج والتطور الأفضل، وأعجبني في طرح المهندس الحاتمي دقة العمل والتعامل بلغة الأرقام من حيث الإنتاج والدخل والحركة، وقدم لنا بعض الأرقام المبشرة بخير؛ سواء من حيث مؤشرات مساهمة هذه اللوجستيات في الدخل الوطني أو من حيث ارتفاع نسبة الكوادر العمانية العاملة في هذا المجال، وأن نسبة توظيف العمانيين في ارتفاع أعلى مما هو مخطط له، تميَّز طرح الحاتمي بالشفافية والبساطة التي تصل إلى العقل قبل أن تصل القلب.

أما رابع هذه القيادات، فكان كما يقول المثل ختامها مسك ألا وهو الشيخ المكرم سلام الشقصي الرئيس التنفيذي لبنك العز.. وحقيقة الأمر أن المكرم سلام نقل إلى المشاركين شيئا من خبراته المالية والمصرفية.

وضمن برنامج الكفاءات الحكومية لهذا العام، تمت بعض الزيارات الميدانية للعديد من المؤسسات العامة والخاصة؛ فكانت الزيارة الأولى لعمانتل اطَّلعنا من خلالها على تجربة مميزة في مجال الموارد البشرية، وكانت الزيارة التالية للهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون تجوَّلنا خلال يومين بين أروقة الاستوديوهات الراقية، ولحقتها الزيارة الثالثة لشرطة عُمان السلطانية بمعهد الضباط بالوطية، أما زيارتنا الرابعة فكانت من نصيب شركة تنمية نفط عمان، قدموا لنا الأخوة هناك نظاما مهمًّا جدًّا في كيفية التقليل من هدر الموارد المادية والمعنوية. وآخر الزيارات الميدانية في جدول النسخة الثالثة كانت للبنك الوطني العماني، وحظيت الزيارة باهتمام كبير من قبل إدارة البنك، وشاهدنا أثناء الزيارة عملا جللا ومنظما؛ سواء في المجال المصرفي أو في مجال خدمة العملاء.

ومن بين فعاليات هذا البرنامج تمَّ تقسيم المشاركين إلى ستة فرق، وكل مجموعة تشتغل على مشروع منذ بداية البرنامج إلى نهايته، هذه المشاريع وطنية بامتياز تمَّ اخيارها بدقة متناهية من أجل تقديم كل ما هو مفيد لهذا الوطن المعطاء.

وأخيرا وليس آخرا.. أقدم التحية إلى وزارة الخدمة المدنية المنظِّمة لهذا الحدث المهم، كما أزجي المحبة إلى إدارة برنامج الكفاءات الحكومية على حُسن المعاملة وطِيب المعشر الذي لمسناه منهم خلال هذه الرحلة العملية المفيدة، ولا أنسى هنا بالذكر زملاء معهد الإدارة العامة محمد المغيري والأخت عفت الحارثية. أما زملاء العمل المشاركون من جهات الدولة المختلفة، فإنَّ المكسب الكبير بالنسبة لي هو التعرف عليهم، والاستفادة من تجاربهم وإمكانياتهم وقدراتهم المتعددة التي هي بدون شك مكسب وثراء كبير على المستوى الشخصي والرسمي، وهذا ما يتوافق مع أهداف برنامج الكفاءات الحكومية.