"شاهين" وروح التحدي

 

د. محمد بن سعيد الشعشعي

قدّر الخالق أن يضرب إعصار شاهين السلطنة يومي الأحد والإثنين 3 و4 أكتوبر 2021، ومنذ أن صدر بيان الأرصاد الذي ينبه بوجود عاصفة مدارية في بحر العرب ومتجهة إلى أراضي السلطنة بادرت الجهات المعنية من عسكرية ومدنية استعداداتها لمواجهة ذلك التحدي الكبير وأصدر المركز الوطني لإدارة الحالات الطارئة تنبيهاته المُتواصلة.

وبدأ تشكيل مراكز الحالات الطارئة في الولايات المستهدفة من هذا الإعصار، ناهيك عن انتشار وتوزيع فريق العمل في المناطق والولايات من شرطة عمان السلطانية، وقوات السلطان المسلحة، وفرق الإعلام ونقل الحدث على مدار الساعة، إضافة إلى الجاهزية لتوفير الخدمات اللوجستية وتجهيز مراكز الإيواء في كل من مسقط وشمال وجنوب الباطنة، وكان الاستعداد سريعاً ومنظماً ومتواصلاً، نتيجة التجارب السابقة التي أكتسبها العمانيون من عواصف وأعاصير واحتسى منها الدروس والعظات بدءًا من جونو وفيت ووصولاً إلى مكونو ولبان.

علمتنا التجارب السابقة كيفية مواجهة الأزمات بروح الفريق الواحد، ليس على الصعيد الرسمي فقط وإنما أيضاً العمل المؤسسي والفردي فقدمت عمان للعالم لوحة مشرقة أشاد بها البعيد قبل القريب.

لن أتطرق كثيرًا لتفاصيل هذه الحالة المدارية التي مرت بها البلاد، ولن أدخل في ردهات مثل الأزمة الطارئة قبل أو أثناء أو بعد، فتلك أمور أصبح المجتمع العماني يدركها تمام الإدراك، وأيقن كل منِّا كيفية التعامل مع حالات الطوارئ والأعاصير والمنخفضات على المستوى الفردي والمجتمعي وأصبح ذلك يشكل لنا خارطة طريق سريع تؤتي ثمارها في كل حين بإذنه تعالى.

والحالة المدارية "شاهين" التي مرت بها عُمان كان التهيؤ لها ممتازًا، وحاولت مؤسسات الدولة والأفراد التصدي لها لتخلف أقل الخسائر في الممتلكات والأرواح، ولكن قدرة الله فوق كل شيء، رحم الله من مات ونحسبهم عند الله شهداء، وعوضاً لمن خسر ملكا مادياً كان أو معنوياً.

صحيح أن هناك خسائر مادية جمَّة في الممتلكات العامة والخاصة وفي الطرقات والمباني والخدمات لكن الحياة سوف تعود إلى طبيعتها بهمة الأوفياء وبقوة الشجعان وبتكاتف أبناء هذا الشعب الصادق من شماله إلى جنوبه. وإعادة الحياة إلى طبيعتها في شمال الباطنة لن يستغرق وقتاً كبيراً كما أشرت والمبادرات والهبات سوف تسهم بشكل كبير في معالجة الكثير من الأضرار.

إن التوجيهات السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بتشكيل لجنة تقييم تلك الأضرار التي سرعان ما نزلت إلى أرض الميدان للمعاينة وتقييم ما خلفه شاهين من أضرار، ولا شك أن اللفتة السامية كانت حريصة وحكيمة هدفها أن يحيا المواطن العماني على هذه الأرض بعزة وكرامة. وأعتقد أن العمل الميداني لتلك اللجنة هو المحور الأساسي والجهوري للقضية وللوقوف على تلك الأضرار ومشاهدتها بعين ترفع تصورها المنطقي والمعقول من موقع الحدث وإلى الجهات العليا. فالأمر لا يحتمل التحليل أو التخمين وإنما الواقع يفرض علينا أرقاماً دقيقة لمعالجة ما خلفته تلك الأزمة من آثار.

لكن التحدي الأكبر هو أننا في عمان توالت علينا تلك الأعاصير والمنخفضات منذ جونو عام 2007 وحتى الآن؛ كوننا نقع على بحر العرب والمحيط الهندي، ويقول الخبراء إن الدول الواقعة على المحيطات أكثر عرضة لتلك الأعاصير والمنخفضات المدارية.

فالنظرة الصحيحة لتصريف مجاري الأودية والمياه في السلطنة يجب أن تكون مختلفة تماماً، وأن تُدرس كل بقعة من مناطق عمان بعين بصيرة وبأسلوب علمي، وأن يكون الهدف الأول والأخير في أي مخطط هو كيفية تصريف الأودية والسيول، ولا ينبغي السكوت على هكذا وضع ينتج عنه كوارث مادية وبشرية كل عام أو عامين تقريباً، وألا نوزع أي أرض سكنية أو تجارية أو صناعية في قادم الوقت في منخفضات الأودية، أو حتى على مشارفها، مهما كانت الأسباب، وينبغي أن ندرس كل مصاريف الأودية في عُمان التي تمر على المدن والقرى وأن نعمق مصارفها، أو تحويل هذه المصارف، ولا ضير أن نستعين بخبرات دول سبقتنا في هذا المجال، سواء كانت من الغرب أو من الشرق، ولنا مثال التصريف المائي المثالي لجامعة السلطان قابوس.

إنَّ الأمر لا يحتمل النقاش والبحث، ولا التأخير، ولابُد للحل أن يكون وفق رؤية حصيفة وشاملة للحفاظ على هذا الوطن العزيز..

حفظ الله عمان وجلالة السلطان من كل سوء ومكروه.