الاقتصاد الأخضر .. مستقبلنا الآمن

 

فايزة الكلبانية

 

تسود بين الفينة والأخرى مفاهيم خاطئة بين الناس ما يلبثون أن يكتشفوا عدم صحتها أو على الأقل عدم دقتها، إذا ما أدلى الخبراء والمتخصصون برأيهم فيها، ومن بين المفاهيم غير الصحيحة التي سادت خلال السنوات الأخيرة، الاعتقاد بأنَّ النمو الاقتصادي القائم على مشروعات التنمية وعمليات التصنيع بصفة خاصة، هي مشروعات ضارة بالبيئة، لكن خبراء البيئة والاقتصاد برهنوا عكس ذلك، حيث أثبتوا كيف يُمكن لهذه المشروعات أن تكون صديقة للبيئة بل وتساعد في ترشيد استهلاك الطاقة، وهو ما يخدم أهداف صون الموارد الطبيعية.

ومن هذا المنطلق، نشأ مفهوم ومصطلح "الاقتصاد الأخضر"، والذي يعني ببساطة شديدة تنفيذ مشروعات تنموية واقتصادية صديقة للبيئة، ويمكن لهذا النوع من الاقتصاد أن يوفر فرصاً لاستحداث مشاريع متعددة في السلطنة فيما يتعلق بالطاقة المتجددة أو إعادة التدوير وغيرها من المجالات، وذلك بالاستعانة بالتجارب الناجحة في دول مثل ماليزيا وسنغافورة وغيرها، والتي بدورها حرصت على أن تجعل الاقتصاد صديقاً للبيئة، وجعلت بالفعل البيئة صديقة للاقتصاد، واعتبرتهما مكملان للعملية التنموية. ولطالما استطعنا أن نحقق هذه المعادلة والتوازن بين الاقتصاد والبيئة وتشجيع العمل المتكامل بينهما، فإننا نستطيع أن نخلق فرص عمل جديدة ومتنوعة سواء في قطاع إعادة التدوير أو إنتاج الطاقة المتجددة النظيفة وغيرها.

ولذلك مثلت البنود الاسترشادية والتوصيات التي خرجت عن أعمال الدورة الثالثة من منتدى عمان البيئي، ما يمكن أن نعتبره خارطة طريق ومنهاج عمل لتبني نموذج اقتصادي أخضر، يدعم التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي ويحافظ على البيئة في وقت واحد.

وقد حمل المنتدى هذا العام عنوان "الاقتصاد الأخضر.. مستقبل التنمية الآمن"، وشهد تقديم أوراق عمل وكلمات رئيسة ونقاشات حول هذا النوع من الاقتصاد.

وجاءت التوصيات حاملة في طياتها ملخص النقاشات والعصف الذهني بين المشاركين والجمهور، وبمرور سريع على هذه التوصيات أجدُ كم هي مفيدة لو تلقفتها الجهات المعنية بقطاع البيئة لتضعها موضع التنفيذ، فمثلاً التوصيات تتضمن الدعوة لتبني نموذج اقتصادي أخضر لتحقيق الاستدامة والنمو، وإنشاء برنامج وطني اقتصادي وفقاً لمفهوم إدارة سلاسل الإمداد الخضراء لتعزيز الإنتاج الفكري والعلمي والإبداعي. وهذا البرنامج الوطني سيُسهم بدور فاعل في عملية تعزيز هذا النموذج الاقتصادي، بناءً على حسابات دقيقة تساعد على حماية البيئة.

وشملت التوصيات أيضاً الدعوة إلى تأسيس مركز وطني للاقتصاد الأخضر، وهو المركز الذي في حال إنشائه سيقوم بتوحيد الجهود بين مختلف الجهات في مجال الاقتصاد الأخضر، ويعمل على تعظيم عائدات الاقتصاد الأخضر ومن ثم تحقيق النمو الاقتصادي في السلطنة.

لكن أعتقد أن واحدة من أهم التوصيات كانت دعوة القطاع الخاص إلى تبني مبادرات تنموية في إطار المسؤولية الاجتماعية للشركات، وتشجيع الأفراد على الإسهام في حماية البيئة عبر الحد من استخدام الأكياس البلاستيكية. فالمسؤولية الاجتماعية للشركات لم تعد عملا تطوعياً كما يظن البعض، بل هي واجب والتزام أخلاقي واجتماعي واقتصادي أمام المجتمع، ودعم القطاع الخاص لجهود حماية البيئة من شأنه أن يساعد في قطع شوط كبير في هذا المضمار، ويرفد الجهود الحكومية بمزيد من العمل الجاد.

إننا وفي ظل ما يُعانيه الكوكب من تغير مناخي بسبب الاحتباس الحراري الناتج عن الغازات الدفيئة بسبب سلوكيات الإنسان والنتائج السلبية عن النمو الصناعي في العالم، بتنا في أمس الحاجة الى تبني تطبيقات الاقتصاد الأخضر ودعم جهود إنشاء المشروعات الصديقة للبيئة، حتى نضمن حياة آمنة لأولادنا في المستقبل.

faiza@alroya.info