هل يجلب الاحتلال السلام والاطمئنان؟

عبدالله العليان

منذ عدة أيام، أعلن بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل، أنه ينوي ضم بعض أجزاء من أراضي الضفة الغربية -التي هي تحت الحكم الذاتي الفلسطيني رسميًّا- للكيان الإسرائيلي في حالة نجاحه، وهذا يعني أنَّ إسرائيل لا تنوي الوقوف عند حدود هذه المساحة الضئيلة للشعب الفلسطيني، بل أنْ تُخطِّط تكتيكيًّا للسيطرة على كل فلسطين، التي لا تزال أيضًا تحت الاحتلال، وإن سُمِّيت بأنها تابعة للسلطة الفلسطينية.

ويعني ذلك أيضا أن هذا الاحتلال ليس في نيته قبول القرارات الدولية، من بعض الأراضي التي احتُلت بعد حرب عام 1967، وقبلها حرب 1948، والتي أصبحت منقوصة ومجزأة بعد الاحتلال، بل لا يزال حلمه القديم قائماً التي طرحها الاحتلال بعد حرب 1948 (أرضك يا إسرائيل من النيل للفرات)، وهذا يؤكد أنه لا يريد الاطمئنان في وسط الشعوب العربية، بل يريد الابتلاع والسيطرة كلما تحين له الفرصة، والتحلل من كل القرارات الدولية، والاتفاقيات الثنائية بين السلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو، والذي يؤكد أن هذه النوايا غير المطمئنة للوجود العربي من مخططات إسرائيل، لذلك فإنَّ إسرائيل تخطط الآن لابتلاع منطقة الجولان السورية، التي هي أرض محتلة في العام 1967، وأن القرارات الدولية التي اعتبرت الجولان أرضاً محتلة! والرئيس الأمريكي ترامب بارك هذه الخطوة غير المطمئنة للعرب أن هذا الكيان الغاصب لا يريد سلاماً ولا اطمئنانا، لأن تاريخه قام على احتلال أراضي الغير بالقوة، وما دام يملك القوة فهو يستطيع -كما يعتقد- أن يفرض الأمر الواقع العربي، ويعتبر هذا إنجازا في حالة ضعف العرب الراهن!

ولا شك أنَّ فرض الأمر الواقع -إن غدا اعتقاداً ونشوة- دافع للسيطرة والضم نظراً للظروف العربية الراهنة من صراعات، فإنَّ غرور القوة لا يمكن أن يستمر، فإن كانت الظروف العربية الراهنة، كما نعرفها جميعاً خيَّلت له هذا الأمر الغريب، فإنَّ نزعة الاحتلال بالقوة عبر التاريخ أثبت فشله، وهذا بمنطق الحقائق التاريخية، لم ولن يستمر، حتى وإن بقي الاحتلال لعدة أجيال كاملة، والعبر والتجارب أثبتت هذا الواقع، والتاريخ كاشف وفاضح كل الممارسات لقرون طويلة لغرور القوة والسيطرة، ولا شك أن إسرائيل خططت لمحو الوجود الفلسطيني منذ نكبة 1967، وهذا التخطيط قيل وكتب. ويذكر الكاتب الأرجنتيني بيدرو برييجر في كتابه "الصراع العربي الإسرائيلي" أن إسرائيل حاولت منذ عقود "عدم الاعتراف بالهُوية الوطنية للفلسطينيين، وادَّعوا أنهم غير موجودين، أو كما اعتادت جولدا مايير أن تقول "فلسطينيون يوق"، وتعني أنهم غير موجودين. استخدمتْ كلمة يوق بازدراء، غير أنهم اضطروا إلى التنازل نتيجة للوقائع، مع أن الكثير منهم -كما يقول الكاتب- يحلمون بتكرار تجربة 1948". فهذه العقلية لا تريد السلام العادل، بل تريد عدم طمأنة الشعب الفلسطيني، والجيران، بل وربما غير الجيران، أنها قادرة أن تنفذ حلمها القديم.

ولا شك أن اختلال موازين القوى في الشرق الأوسط، يلعب دوراً دافعاً لتكريس الواقع من قادة إسرائيل، وتتعداه إلى ما هو أخطر في مسألة تغيير خريطة المنطقة العربية، وهذا مدعاة لمشكلات وتوترات كبيرة، وهذا ما يجعل الحل العادل غائباً في ظل الظروف غير المتكافئة في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث أصبح اليمين الإسرائيلي يحاول استعادة الأحلام ويرتب الأولويات، لاعتقاده أن الفرصة لا تعوَّض لتنفيذ مشاريعه في فرض الأمر الواقع كما يراه، وبدعم من الإدارة الأمريكية الحالية للأسف، وهو ما جاء في موافقة الرئيس الأمريكي منذ عدة أسابيع على ضم الجولان السورية، المسألة الآن تتضح أن كل الدعاوى بدأت تتكشف، أن إسرائيل لا تريد سلاماً عادلاً، يسهم في استقرار هذه المنطقة، ولن تستطيع، مهما ملكت من قوة، أن تجبر شبعاً على قبول احتلالها مهما كانت الموازين مختلة وغير متكافئة، فلا تستطيع أن تجمع هذا مع ذاك، أما كونها مرفوضة من الشعوب العربية في المنطقة، فأن السبب هو أنها احتلت أراضي الغير بالقوة وطردته من أرضه، ويعيش أغلبه في المهاجر والمنافي والمخيمات، فلا يمكن أن تعيش واقعاّ مطمئناً ومستقراً، وصاحب الحق مطرود ومنكوب ومشرد؛ فهذه معادلة لا يقبلها حتى بعض الإسرائيليين أنفسهم، فكيف يقبل بها الشعب الفلسطيني، والشعب السوري واللبناني، ثم إن شماعة العداء للسامية، فهذه كذبة لا يقبلها العقل والمنطق، فالعرب أيضا ساميون، والعداء كان للصهيونية وليس لليهود، هناك فرق بين اليهود والصهاينة، فاليهود عاشوا بين العرب منذ عشرات القرون، في مصر، والشام، والعراق، واليمن، وشمال إفريقيا، وإيران وتركيا... وغيرها من ديار المسلمين وعاشوا في اطمئنان، وبقيت معابدهم من العصر الأول الإسلامي حتى الآن، وعاشوا بأمان، حتى بدأت نكبة 48، فهاجر من هاجر، وبقي من بقى منهم، القضية تتعلق بالعدوان.

إسرائيل قامت على عقلية السيطرة وعلى قمع الآخرين، وعلى الاستيلاء بالقوة، وهذه عقلية ثابتة في عقيدتها السياسية والدينية، وهو ما جعلها ترفع شعار "أرض بلا شعب، وشعب بلا أرض"، وهذا ما برر للحركة الصهيونية ما فعلته في فلسطين في حروبها مع العرب منذ 70 عاماً. لذلك، فإن الحل والاستقرار والسلام والاطمئنان هو في إقامة الحل العادل للشعب الفلسطيني، وعودة بقية الأراضي العربية المحتلة، وهذه في حد ذاتها الضمانة الأكيدة للجميع في الأمن والاستقرار، فإذا أصر قادة الكيان الإسرائيلي على تجاهل الحقوق المشروعة للفلسطينيين، فإن وهم القوة في حمايتها دون الإذعان للقرارات الدولية، سيظل مؤقتاً، وسيبقى الصراع مستمراً ومكلفاً.