ما مصير المدينة الحديثة المتعددة الأغراض؟

 

د. عبدالله باحجاج

هي مدينة تجارية سياحية سكنية متعددة الأغراض، أهم مرافقها إقامة سوق للخضار والفواكه ومطاعم ومقاهٍ ومخازن عددها (14) مخزنا ومحلات للتجزئة، ومنطقة سكنية مكونة من (19) مبنى من خمسة أدوار على أنماط إسلامية وعربية ومصرية وآسيوية ويونانية ولاتينية ورومانية وهندية وفرنسية. موقعها المقترح في مدينة السعادة بولاية صلالة.

ستبلغ تكلفة هذا المشروع قرابة (100) مليون ريال، ومدة الاستثمار (50) سنة، وستوفر (1200) فرصة عمل مباشرة و(1500) غير مباشرة، كما ستدخل لخزينة بلدية ظفار أكثر من (400) ألف ريال عماني سنويا كإيجار الأرض، غير ضرائب البلدية الأخرى على المشروع نفسه أو المستنفعين منه، مع إمكانية رفع تلكم العوائد كل خمس أو عشر سنوات، وبذلك ستكون للبلدية موارد مالية ثابتة من مثل هذه المشاريع، كما سيحل هذا المشروع مشاكل سوق الخضار القديم الذي لم يعد يقدم خدماته مراعاة لكل الظروف والاشتراطات الصحية.

وهذه المدينة الجديدة ستمثل نقلة بثنائيتها المزدوجة "النوعية والكمية" في محافظة ظفار وقد تناولناه في مقال سابق في جريدة الرؤية تحت عنوان "مشروع اقتصادي ضخم يواجه صراع المصالح". ولفوائده المتعددة، ينبغي ألا يعرقل أبدا، بل تفتح له كل الأبواب، لأنه يتقاطع ويتناغم مع التحولات الاقتصادية الكبرى لرؤية 2040 التي تركز على الاستثمارات المولدة للمال والمنتجة لفرص عمل، كما أنّ كل محافظة من محافظات البلاد، خاصة تلك التي لها جاذبية سياحية عالية كظفار، تحتاج لمثل هذه المشروعات لتعزيز واجهتها السياحية وتطوير خدماتها لساكنتها الدائمة والمؤقتة.

آخر متابعتنا لهذا الملف، تفيد أنّ هذا المشروع الهام، قد أرجعته وزارة المالية على ما يبدو إلى الأطراف الثلاثة الموافقة والرافضة له، والآن هو مجمد عندها، وهي مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار وشرطة عمان السلطانية وبلدية ظفار رغم أنّ المشروع قد أرسي على مستثمر عماني وخليجي مشترك بالاتفاق مع البلدية، واستكمل كل الشروط القانونية، ولم يتبق سوى موافقة وزارة المالية، حتى تدخل في اللحظة الأخيرة طرف من تلكم الأطراف معارضا له، ومن ثمّ تمكّن من تجميد المشروع، ما يكشف لنا في المقابل، قضايا استثمارية أخرى يتم عرقلتها بنفس الآليات، فكيف نتطلع لتنويع مصادر دخلنا؟ وكيف نريد تطور المجتمع وتحسين مستوى معيشته في عصر الجبايات؟

لا نعلم تحفظات هذا الطرف على المشروع، كل ما نعلمه يقينا أنّ الأرض التي سيقام عليها المشروع تابعة لبلدية ظفار، وقد طرحتها للاستثمار منذ عام 2009 أو قبل ذلك، فلماذا يأتي الاعتراض الآن وفي اللحظة الأخيرة؟ بمعنى، لو كانت التحفظات جوهرية، فكان ينبغي من عدة عقود أن تتحفظ على الأرض وليس على استثمارها.

ما هكذا تتطور الأوطان، وما هكذا يتم التعامل مع طبيعة المرحلة الراهنة، البلاد والمجتمع في أمس الحاجة لمثل هذه المشاريع الحيوية، بل إنّ نجاح رؤيتنا المستقبلية مرتبط بمثل هذه الاستثمارات، وما يحدث داخل البيئة الاستثمارية، لشيء فوق العقل، وهذه ليست الواقعة الأولى، بل هناك الكثير منها، سنتناول بعضها في مقال وفقا لتجارب مستثمرين، لأنّه بهذا التعطيل تتوقف التنمية، ومن ثمّ تتجمد التطورات، ويظل المجتمع مشددًا للماضي عوضا عن أن ندفع به للمستقبل، وهنا كبرى الإشكاليات التي يصنعها من يقف ضد مثل هذه المشاريع تحت جنوح المصلحة الضيّقة.

كل ما نخشاه أن يكون مصير المستثمرين الجدد، المصير نفسه للمستثمر الكويتي الذي انتظر كثيرًا وطويلا عام 2008، حتى فقد الأمل في الانتظار، وانسحب منه، وخسرت محافظة ظفار، الوقت المنتج للسيولة المالية لخزينة الدولة والفرص الوظيفية للباحثين عن عمل، ومعها فقد ظفار تطوير خدماتها كسوق الخضار والأسماك الذين يعودان لأكثر من أربعين سنة، فهل سيتكرر مع المستثمر الجديد السيناريو نفسه مع المستثمر القديم؟

ينبغي أن يحسم هذا الملف سريعا، وحسمه لن يكون عبر البحث عن موقع بديل للموقع المتفق عليه بين المستثمر والبلدية، والذي من خلاله تم توقيع العقد، إلا إذا قبل هذا المستثمر، فقد لا يقبل الموقع البديل.. لأنّ للمواقع أهمية اقتصادية دون غيرها، وإنما نرى الحسم يكون في البحث في كيفية حل الملاحظات التي بنيت عليها الجهة المتحفظة على هذا المشروع، وتوضيح أهمية هذا المشروع على بلادنا بصورة عامة، لذلك يستوجب من أجله التنازلات خاصة إذا ما علمنا بأنّ وراء إرادة المستثمر الخليجي العماني مشاعر وعواطف ذاتية، هي محل تقدير كبير، هنا لن نقصي الربح، لكنه ليس ربحا دفاعا لذاته، وإنما غالبا عليه العواطف.

لو فشلت الأطراف الأربعة في الاتفاق، أو استمرت في تجميده كما تفعل الآن، وانسحب المستثمر منه، ستترسخ لدينا قناعة بأن عينا حاسدة أو ساحرة قد اطلقت سهامها على مشاريعنا، وأصبحت تعرقل كل مشروع جديد يمكن أن يخدم التنمية الاقتصادية ويكون لها انعكاسات إيجابية على المجتمع، مما سيبدو لنا المشهد كالاتي: ارتفاع الوعي الاجتماعي بحقوقه الاقتصادية مقابل تخلف البيئة المنتجة لهذه الحقوق بسبب الخلافات على المشاريع الاقتصادية، تارة تأتي من بعض الفاعلين الاجتماعيين وتارة أخرى من فاعلين حكوميين، فكيف سيواجه هذا الوعي جمود تطوره الاقتصادي؟!

لذلك ليس من المصلحة الوطنية أن تتجمد مثل هذه التنمية الاقتصادية التي لها انعكاسات اجتماعية إيجابية كبيرة؟ فجمودها يعني جمود المجتمع، ورهاناته على الماضي ستكون على حساب حاضره ومستقبله، وهذه قضية كبرى في حد ذاتها، فإلى أي مدى تلامس الوعي السياسي الداخلي؟