"مرشد".. وأصبح للطفل العُماني مجلة

 

علي بن راشد المطاعني

في السَّنة الأخيرة من الدراسة الجامعية صحافة وإعلام بجامعة السلطان قابوس، كُلفنا بإعداد بحث تخرُّج كمقرر، بحثتُ عمَّا عساه يكون عنوانًا لبحثي الجامعي، والذي يعتصر كلَّ رحيق الدراسة في بوتقة واحدة، لم أشأ أن يكون بحثي عن دراسة وسائل الإعلام آنذاك من حيث دورية صدورها وطبيعتها وموضوعاتها ومؤسسيها إلى غير ذلك من بيانات تحليلية عن الصحف والمجلات في السلطنة، من واقع البيانات بكل مطبوعة، و لم أرغب في أن يكون بحثا مكتبيا بحتا من خلال مكتبة الجامعة أو إعادة تدوير بحوث أو دراسات أُعِدت سابقا؛ لذلك كان الاختيار نوعيًّا، ولكن شاق كأي عمل نوعي؛ سواء في التنقل بين الجامعة بالخوض ووزارة الإعلام بمدينة الإعلام، والصحف والمجلات في السلطنة، فضلا عن انسيابية البيانات من المصادر، لكن كُنت سعيدا بأن يكون البحث الأول من نوعه حول الصحف والمجلات في السلطنة كدراسة تحليلية؛ لدرجة أن الدكتورة أميرة العباسي أستاذة الصحافة أشارت إلى أنَّ البحث يصلح لدراسة الماجستير وليس كمقرر تخرج وأنها كأستاذة استفادت من البحث كثيرا في معرفة واقع الصحف والمجلات في السلطنة. وكان من الاستنتاجات التي توصلتُ إليها: عدم وجود مجلة للطفل في السلطنة تُخاطب هذه الفئة من الأجيال وتعوِّدهم على القراءة، وإثراء أفكارهم كإحدى ركائز الاهتمام بالطفولة، وإيجاد أجيال من حملة مشاعل المستقبل، ثم توالتْ السنين ولم تصدُر مجلة للأطفال عن أي جهة حكومية، أو من أي من المؤسسات الصحفية المعروفة، رغم أهميتها وجدواها، وبعد خمسة وعشرين عاما، بادر الزميل حمود بن علي الطوقي بإصدار مجلة "مرشد" كأول مجلة للأطفال في السلطنة، وهكذا سيكتب التاريخ الصحفي في السلطنة ويستمد منها الباحثين والدراسين في علوم الاتصال والإعلام في دراساتهم العلمية حول الإعلام في السلطنة، ويستحق المكافأة على اختياره علم من أعلام عُمان لتحمل المجلة اسمه ولتذكر الآفاق به.

غير أنَّ المجلة لم تجد الرعاية الحكومية (الخاصة) جدًّا، باعتبارها ركزت على مستقبل الوطن من خلال إعداد طفل مثقف قارئ نهم ومطلع على حاضره الزاهر وماضيه العريق، ومتطلعا للغد الآتي بعين الأمل، كغيرها من وسائل الإعلام المطبوعة التي تؤدي دورا متعددا في البلاد والعباد، تتلمس يوما بعد الآخر الحلول في معالجة أوضاعها.

فمجلة "مرشد" ليست مطبوعة تجارية، وليست إعلانية، وليست ربحية، وليست استثمارية وفق المعنى السائد والمعروف، إنها استثمار خاص في "مستقبل" الوطن؛ لذلك هي الأوْلَى بالرعاية والاهتمام والدعم اللا محدود، فبقاؤها ساطعة كالشمس نهارًا في سماوات الوطن، ومنيرة كالقمر ليلة تمامه، هو الضامن الأوثق لوجود جيل بل أجيال من الأبناء والأحفاد من حملة مشاعل الضياء، وفي عالم لا يؤمن أصلا إلا بالعلم كمطية لبلوغ الغايات الشاهقات علوًّا.

لم نَر للأسف نفيرا وطنيا تقوده الجهات الخاصة بالثقافة والإعلام والتربية والتعليم تجاه تقليد "مرشد" لرعاية الطفل والطفولة في السلطنة، لم نَر زخما وتزاحما نحو رفد الاشتراكات فيها للمدراس، لرياض ولمكتبات الأطفال، للوزارات، لدواوين الدولة، لمؤسسات القطاع الخاص، لم نر تدافعا بالمناكب نحو "مرشد" ولأجل "مرشد"، والكل يضع يديه فوق صدره وجلا من أن يمضي أطفالنا للمستقبل بغير أن يعرفوا معنى القراءة والاستزادة منها، وهم أحفاد علماء أفذاذ قدموا للبشرية علوما ومعارف شهدت لها الدنيا بالتفرد، لا يُمكننا أن نتخيَّل أن الطوقي لوحده يحمل همومَ مستقبل الوطن بين جوانحه، ويضطلع بنفسه بهموم توزيع "مرشد" كالصدقات في وضح النهار، لا يبغي جزاء أو شكورا غير رضا الوطن.

ومن أجل أن تظل مجلة "مرشد" مُرشِدة، فإنَّ الزميل حمود الطوقي يدق بيده على أبواب الشركات لتضع رعايتها لـ"مرشد"، بدلا من الإعلانات، وهو مطية المطبوعات التجارية؛ فالإعلان التجاري يخدش بالقطع حياء الطفل، ولا يتناسب مع برءاته وطُهره؛ لهذا قُلنا لكم بدايةً بأنَّ مجلة "مرشد" ليست إعلانية، ولا تجارية، وهذا هو الفرق بينها وبين غيرها من مطبوعات.

لنتَّفق جميعًا على أننا لن نسمح لأطفالنا بالوقوع فريسة للآيباد والواتساب ولوسائل التواصل الاجتماعي بكل ما فيها، ونحن أعلم بما فيها؛ فنحن وطن عريق ثقافيًّا وليس أقل من أن يسلك أطفالنا طريقَ القراءة أولا وأخيرا، وما تبقى من وقت ليذهب للتكنولوجيا الجديدة التي نُقر بسطوتها، ولكن ليس على حساب إرثنا الحضاري التليد.

نأمل أن تحظى "مرشد" بالاهتمام الذي تستحقه الطفولة، فهي وُجِدت لتبقى رصيدًا هائلًا لحاضر الوطن الزاهر، ولمستقبله المشرق بحول الله وقوته.