السوق الشتوي والآمال الكبيرة

 

على المطاعني

 

تعزيز ريادة الأعمال في البلاد ليس مسؤولية الجهات الحكومية فقط، وإن كان يقع عليها العبء الأكبر في هذا الجانب، والمجتمع أيضا له دور أساسي في حفز رواد الأعمال على انتهاج العمل الحر وتشجيع الشباب العماني على امتهان المهن المختلفة، والإحساس بالفائدة منها والراحة فيها، هذا ما جسدته إحدى الفتيات المواطنات التي لم تالُ جهدا ولا اجتهادا في رسم الأفكار الإبداعية لتقديم رواد الأعمال بشكل مبتكر، كعلامات عمانية خالصة تسهم في إيجاد البديل الفاعل والمختلف شكلا ومضمونا عن غيرها من العلامات التجارية، وتلهم الشباب العماني لتقديم أنفسهم كرواد أعمال يلهبهم الحماس المتدفق والمفعم بحب العمل .

لقد أوجدت بعض الأعمال الريادية وبلورتها كأعمال تجارية عبر تحويل المواد الخام إلى منتجات رائدة ورائجة وذات جودة عالية وتغليف جذاب يستميل الزبون من أول نظرة، هذه النماذج تستحق كل التحية ويتعين أن تحفز لتحفيز غيرها ونجاح مبادراتها تحمل قيمة مضافة ليس لما تقدمه فحسب وإنّما لما يقدمه غيرها من أبنائنا بعد أن ألهمتهم كشعلة مضيئة.

ولعلّ إقامتها للسوق الشتوي أو ما يسمى بالإنجليزي winter market ، في حي الوزارات، بجانب شارع السلطان قابوس، يعد أحد الأفكار الرائعة التي سوف تنطلق في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، في الفترة المسائية يعرض رواد الأعمال أعمالهم في أكشاك حديثة وجذابة، تضاهي أكشاك الأسواق الأوروبية في مواسم الأعياد، لإضفاء جمالية رائعة على ما يتمتع به الحي الذي يعد من أروع الأحياء وأجملها في محافظة مسقط عندما يحتضن شبابا عمانيين، عاهدوا أنفسهم على امتهان العمل الحر بدلا من الركض خلف سراب الوظيفة في القطاع العام أو الخاص وشق الطريق بأنفسهم متجاوزين تحدياته وعقباته غير عابئين بمخاطره المحتملة، لأنهم آمنوا بأنّ العمل التجاري لابد أن يكون محفوفا بهكذا مخاطر.

لاشك أنّ بعض الأفكار المجتمعية في تعزيز ريادة الأعمال في البلاد تحتاج إلى وقفة ودعم لما تسهم به في إبراز جهد هذا الجيل الرائع من الشباب العماني الذين يستحقون عاطر التحايا لسبرهم أغوار العمل الحر بغير وجل، وهذه الأفكار التي تسعى جاهدة إلى ابتكار الحلول وإيجاد الآليات وتتحمل تبعات العمل في هذا الشأن لإيمانها بدءًا بالفكرة، ومن ثم سعت وتسعى للعمل مهما كلف ذلك من مشاق ما دام العمل ومخرجاته سوف يرى النور في نهاية النفق أو في نهاية المطاف.

فالسوق الشتوي الذي سيكون علامة تجارية عمانية صرفة تضاف إلى بعض العلامات التجارية ذات الصيت وسيكون مزارا رائعا للأسر والعائلات سواء للشراء من أبنائنا أو الاطلاع على منتجاتهم وأفكارهم وإبداعاتهم في تجاوز التحديات والصعاب المرادفة لمشاق صعود الجبال جهدا، وعلى ذلك تحفيزهم معنويا بزيارتهم ومصافحتهم وتحيتهم والثناء عليهم؛ ذلك من شأنه وبالتأكيد أن يرفع من معنوياتهم، بعدها فإنّ تفضيل منتجاتهم التي ستكون مفاجئة للعديد من الزوار جودة وجمالا وروعة وبذلك فإننا نكون قد أكملنا حلقات الدعم الواجب علينا وطنيا لهؤلاء الشباب المثابر، وسندفعهم لكي يشمّروا عن سواعد الجد والجهد النبيل نحو آفاق العمل الحر بكل آماله وتحدياته ونجاحاته وعثراته، وأن يشقوا طريقهم إلى علا الأعمال التجارية بدون تهاون أو تقاعس أو خوف ووجل من الخسارة أو الإخفاق .

إنّ السوق الشتوي الذي سيكون إضافة مميزة لحي الوزارات لمدة شهر تقريبا يعرض لما يربو عن 100 مبادرة لرواد الأعمال أشبه بالمعرض الذي يقدم فيه أبناء السلطنة العديد من الأعمال الصغيرة ومتناهية الصغر لكنها كبيرة بآمالهم وتطلعاتهم وأحلامهم المشروعة في غد أرغد وأسعد، وما تشجيع المجتمع لهم وهو ما يجب أن ندركه إلا دفعا للطاقات الشبابية نحو امتهان العمل الحر بوقفتنا الصلبة معهم؛ مثلنا في ذلك مثل الجهات الحكومية أو أكثر، فاستمرارية العمل الحر مرهون بنجاحه مهما أسدت الجهات الحكومية صنوفا من أشكال وأنواع الدعم، لكن الأهم هو استمرارية المشروع إلى الأبد بغير توقف، وهذا لا يتأتى إلا من خلال تفضلينا الشراء من هذه النخب العمانية التي شاءت لها الأقدار الرخية أن تختار العمل الحر كمطية للدلوف لرحاب المستقبل المشرق بحول الله.

إنّ كفاءة بعض القيادات الشابة العمانية ‏في إدارة المعارض مثل رقية المعني تلك المرأة العصامية التي بدأت من سيح الشامخات بولاية بهلا لكي تحول أحلام الشباب إلى أعمال مبهرة على أرض الواقع وتميط اللثام عن مبتكراتهم وإنجازاتهم، وتبحث بريق النجاح وسط عتمة الصعاب وتكافح بغير ضجر أو ملل في الاستمرار في العمل بدون هوادة تعد مثالا يحتذى به لجيل اليوم إذ هو يقدم أعز القرابين مهرا لصعود سلم رجالات الأعمال.

فهي وعندما ابتكرت السوق الشتوي وضعت أمامها حقيقة أنّها ستكون راعية لمبادرات أبناء وطنها والخليجيين أيضا، رافضة أي علامات تجارية أخرى من بلاد السند والهند، رغم الإغراءات المادية التي من الممكن أن تنهال عليها، ولكنّها فضلت إخوانها لكي تعرض ما تجود به أفكارهم وما تتفتق عنه إبداعاتهم، وتنهض بقدراتهم على من سواهم، فلم تداعب النقود مخيلتها كالتجار، كل ما هناك أنها تحمل لواء ريادة الأعمال قولا وفعلا وصدقا، رغم ضالة إمكانياتها كغيرها ممن هم في بدايات الطريق، إنّها شعلة للنجاح متوقدة ونرى سيماء التفاؤل في نظرتها الواثقة وفي ملامحها التي تتدفق عطاءً للوطن بأعمالها ومنجزاتها الخلاقة المنبثقة من قريحتها وعبر دراستها لإدارة الأعمال، ومنهجها العملي ينص على أنه وإذا لم يحقق رائد الأعمال النجاح في بيع منتجاته لا قدر الله فهي تعفيه من الرسوم الرمزية .

 فالنجاح من وجهة نظرها يكمن في إتاحة عرض هذه النجاحات أكثر من تحصيل العائدات، راسمة بذلك صورة ناصعة البياض لنكران الذات وتفضيل نجاح الفكرة في بداياتها لتكون بداية لموطئ قدم في أول سوق شتوي في البلاد يستمر شهرًا يستمتع مرتادوه بالأجواء الجميلة في محافظة مسقط، ويتناغمون مع إبداعات أبنائها الذين يتطلعون إلى المستقبل بعين التفاؤل.

ومن جانبنا ومن خلال زيارة للسوق وشراء بعض المنتجات لتكون رافدًا ودعما عمليًا وميدانيًا لهم، فإننا وفي تلك اللحظة الخالدة تذكرنا كفاح الآباء والأجداد عندما شقوا عباب بحار العمل الحر بكل تجلياته.

بالطبع هكذا مشروع في الهواء الطلق وبجانب أهم شارع يحمل اسم رمز البلاد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - مطلق طاقات الشباب وعزائمه نحو العمل والمثابرة من خلال خطاباته ولقاءاته وتوجيهاته السامية، لن يكون كأي معرض أو سوق عادي وإنّما سيكون سوقا يليق بالمكان وبالزمان وبالشارع ويعكس جزءا يسيرا من تطلعات جلالته في أن يرى أبناءه يشقون طريقهم وسط غابات سوق العمل متشابكة الأغصان.

فإقامة هذا السوق لم تأت من فراغ بل جاء عبر جهد شاق، فطوبى ثم طوبى لمن حمل لواء رواد الأعمال إلى هامات العلا أو إلى هامات الحبال، ثم رسم لهم طريقا مفعما بالآمال العراض في هذا المجال وفي هذا الطريق الذي يجب علينا جميعا أن نمهده لأبنائنا وإخواننا وكل من يمت بصلة لوطننا العزيز، هؤلاء الشباب هم زاد المستقبل الذي نعول عليه في حمل أمانة الوطن والدلوف به شامخا أبيا لرحاب المستقبل الآتي بحول الله.

نامل من الجميع أن يكون ‏مبادرًا لتشجيع الشباب نحو امتهان العمل الحر، وأن يقرن القول بالعمل بزيارة مثل هذه الفعاليات وشراء منتجات رواد الأعمال، فهذا يساعدهم على الاستمرار في طريقهم المكتنز بالصعاب، وفي ذلك أيضا تحفيز لغيرهم في أن يسلكوا مسلكهم ويحذوا حذوهم، فنحن من ينير الدرب لهؤلاء النخب من أبناء الوطن، ونحن من يرفع هاماتهم وعزائمهم في طريقهم لبناء المستقبل، فهل نحن فاعلون؟

 هذا ما يتراءى لنا في السوق الشتوي الذي يجسد إرادة رواد الأعمال مثلما يجسد تشجعينا لهم إن شاء الله.