احتجاجات الجزائر .. التوق إلى الحرية

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري **

** كاتب قطري

 

النزوع إلى الحُرية، فطرة إنسانية سامية، يُولد الإنسان عارياً حراً من كل القيود، ينشد الحرية ويتوق إليها، لكن الأسرة أولاً ثم المجتمع ثانياً، والدولة ثالثاً، تُحيط هذا المخلوق الحر بسلسلة من الأغلال والممنوعات، لكن مهما كانت العقبات والمعوقات فإنَّ الإنسان أقوى من ظروفه وبخاصة إذا أتحدت الإرادات الإنسانية في اتجاه إرادة التغيير، وهذا ما نشاهده اليوم في الحركات الاحتجاجية الجماهيرية التي تنشد التغيير والإصلاح، في السودان، وفِي الجزائر، وفِي فنزويلا، وغيرها من الدول.

لطالما حرم فقهاء التراث الخروج والتظاهرات الشعبية ضد الحاكم وإن ظلم وعاث فساداً، إيثاراً للاستقرار، ومنعاً للفتن والاضطرابات الأمنية، ولطالما اتهمت الجماهير العربية بأنَّها لا تعرف المسيرات السلمية مثل المسيرات الأوروبية، ووصمت بأوصاف سلبية: إثارة الشغب، قطع الطرق، تعطيل حركة المرور، التعدي على الممتلكات، تعطيل المصالح العامة والخاصة، زعزعة الأمن، إثارة الفزع، تعريض حياة الناس للخطر، تحطيم المحلات والمطاعم، إشعال الحرائق في الحاويات وإطارات السيارات، ولكن ثبت اليوم أن العرب تعلموا من دروس الماضي، هاهي الجماهير في السودان والجزائر تتظاهر في مسيرات سلمية لا يشوبها أي عنف أو تخريب بينما كانت تظاهرات السترات الصفراء، تخريبية تعيث فسادا عريضاً وتنهب الممتلكات وتسبب أضراراً فادحة للاقتصاد الفرنسي. لقد انقلبت الآية.

في كتابه التوثيقي الممتع "العين بصيرة مثلث التجاهل: النفط والتنمية والديمقراطية"، منتدى المعارف، بيروت 2011، ينعي الصديق الدكتور علي خليفة الكواري، صديقه اليمني الحاج جارالله عمر، قضى عمراً في الدعوة إلى الإصلاح، وقتل غدراً، حضر اللقاء السنوي (11) لمشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية (التحفظات العربية على الديمقراطية) أكسفورد،2001  طرح تساؤلات تشكك بقيمة الحرية وأهمية الديمقراطية في الوعي الجماهيري: هل صارت الديمقراطية تمثل قيمة حقيقية لدى المواطن العربي؟! ليست الديمقراطية حتى الآن بالشيء الرئيسي، لأن العائلة ليست ديمقراطية، والمدرسة ليست ديمقراطية، ونحن في النهاية من بيئة ليست ديمقراطية، إن المظاهرات الكبرى التي خرجت في العالم العربي لم تخرج من أجل الديمقراطية بل ربما كانت مناهضة لها، المشكلة التي يجب أن نعترف بها، أن الناس تخرج في مظاهرة ضد كتاب، ولكنها لا تتصدى لإطلاق سراح معتقلين من دون محاكمة؟!

هكذا كان الوضع العربي العام بائساً يدعو إلى اليأس من حصول التغيير، لكن الأمور تغيرت، ودهاء التاريخ أو مكره يسري، رغماً عن الظواهر المحبطة، في عمق المجتمعات، ويتغلغل في نسيجها الاجتماعي، ويحدث التغيير، ليبعث الأمل، مصداقاً لقوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) على كل ذي ضمير حر، محب لوطنه، تواق للحرية والعدالة والإصلاح، أن لا ييأس، ولا يغتر بظواهر الأمور، فالمولى تعالى معه، وحركة التاريخ معه، لو عاش الشهيد جارالله، رحمه المولى تعالى، لرأى أنَّ  الشعوب وعت وارتقت وأن الجماهير تواقة إلى الحرية، ولن تُقايض بها أي مطلب آخر، وهي وإن استكانت للظلم مؤقتاً، لكنها تزلزل الأرض، طلباً للتغيير والإصلاح، إن إرادة التغيير قوة لا تقهر.

تعمدت ذكر هذه الواقعة التاريخية التي مضى عليها18عاماً، لأقول لرواد الإصلاح الخليجيين في منتدى التنمية (1979) ولدعاة الحرية، ونشطاء الحقوق العرب عامة، إن  كلماتكم، لم تكن صرخة في وادٍ، ولم تذهب سدى، بل استقرت في نفوس وضمائر واصلت المسيرة والدعوة للإصلاح والتغيير والحرية، وقد تحققت تغييرات في مجالات عديدة، سواء على المستوى الخليجي أو العربي، مصداقاً لقوله تعالى (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )

ختاماً: إذا رصدنا اتجاهات الرأي العام العربي تجاه قضية الديمقراطية، بدءاً من أول استطلاع ميداني أجراه مركز دراسات الوحدة العربية، شمل 10 أقطار عربية، و8 آلاف مواطن، نجد أن المطلب الديمقراطي الذي احتل المرتبة الرابعة قبل 4 عقود، أصبح اليوم مطلباً أولياً ملحاً، ولا أدل من هذه التظاهرات التي تشهدها دول عربية.

تعليق عبر الفيس بوك