منتدى الرؤية وضرورة الشراكة بين القطاعين (2-2)

 

عبد الله العليان

بعد الكثير من التجارب الطويلة، في استئثار الدولة بكل الوظائف العامة، في العمل العمومي، أظهرت أنَّ هذه الوظائف والمهام أرهقت الدولة، وساهمت في عدم بلورة الكثير من النجاحات، بسبب المهام الضخمة التي تضطلع بها الدولة الحديثة، وتوسع النشاط الذي تقوم به.

هذا ما حدث في دول كثيرة، كانت تمسك بكل المهام والمسؤوليات، وحصلت مُراجعات للقطاع العام، خاصة ما حصل في المعسكر الاشتراكي، الذي كانت له أيديولوجية شمولية لعمل الدولة، حيث تمسك بكل القطاعات، فلم تحقق النجاح المأمول، وحصل انهيار كبير لفكرة شمولية الدولة، وانقلبت تلك النظم، وأصبحت أكثر انفتاحاً للفكر الليبرالي، مع شيء من التعديل عن ذلك الانفتاح الذي قامت عليه النظم الرأسمالية. كما أنَّ النظم الرأسمالية، لم تبق كما كانت في ظل الرأسمالية المُستغلة، فقد قامت تلك النظم بمراجعات لهذا النظام في محطات عديدة منذ عقود طويلة ـ مع الفاعلية الكبيرة للحريات العامة والديمقراطية ووجود النقابات والصحافة ـ التي ساهمت في نقد الكثير من سلبيات النظرية الاقتصادية الكلاسيكية (الليبرالية المطلقة)، والتي رفعت شعار( دعه يعمل.. دعه يمر) للقطاع الخاص، حيث أتيحت لميكانيكية السوق أن تفعل ما تشاء، مما سبب احتكاراً ضاغطاً على الطبقات الوسطى والصغيرة، مما استدعى مراجعة النظام، وهو ما أتى بالليبرالية الجديدة في الغرب الرأسمالي التي خففت الكثير من الإطلاق لليبرالية المطلقة وتوحشها، وحصل في الغرب الرأسمالي الكثير من الحقوق العمالية، وأصبح للدولة الكثير من الإسهامات الاجتماعية التي تجعل الجانب الاجتماعي أقرب من الفردية التي اتسمت بها الرأسمالية التقليدية.

إذاً التجارب أثبتت أنَّ خصخصة كل المرافق الحيوية للدولة دون أن تكون للدولة مشاركة في غياب وضع تشريعات ضابطة وتديرها إدارة مشتركة، خاصة تلك التي كان يُديرها القطاع العام، لذلك حصلت الكثير من السلبيات، وهذا حصل في دول عديدة، كانت الدولة تمتلك وتدير كل هذه القطاعات، ثم قفزت إلى التخصيص، فحصل ارتباك في الكثير من المؤسسات، بعضها للفشل الكامل، وبعضها نجح، وإن لم تكن نجاحات كاملة، دون إرباكات مؤسسية وإدارية، ولا شك أنَّ قضية الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في السلطنة مسألة مهمة وضرورية، خاصة وأنَّ التوجه كما قرأنا في صدد الإعداد، لإصدار قانون للشراكة المؤسسية، هو السبيل الأمثل للتوازن بين هذين القطاعين، وهذه بلا شك سيكون مردودها إيجابيًا للدولة والقطاع الخاص.

وقضية التخصيص من الضروري أن تتوقف، وتبدأ مرحلة الشراكة التي هي الأوجب في هذه المرحلة، حيث يكون هناك توجه للتعاون والمشاركة في مجالات كانت تقوم بها الدولة لوحدها، وأصبح الأمر مطلباً مهماً للمشاركة، لأن القطاع العام يُعاني بعد الأعباء الكبيرة للدولة، والقطاع الخاص يُعاني، لأنه الطرف الأضعف، فعندما جاءت الأزمة الاقتصادية، بعد انخفاض أسعار النفط، واجهت الدولة مصاعب هذا الانخفاض، والقطاع الخاص عانى بسبب هذا الأمر، كما أشرنا في مقالة الأسبوع المنصرم، لذلك حاجة القطاعين للمشاركة بينهما، أصبحت أمراً ضرورياً من خلال قوانين ولوائح تؤسس المهام والمسؤوليات بينهما، وبطريقة واضحة وجلية، ففي هذه المرحلة أصبحت الشراكة بين القطاعين، تأخذ أبعاداً دولية كبيرة، من خلال مشاريع تقدر بالمليارات في دول كالولايات المتحدة، وأوروبا، ودول إسلامية كتركيا، وحققت هذه الشراكة نجاحاً كبيراً كما تذكر بعض التحليلات والكتابات عن هذه المشروعات المشتركة.

 ونحن في السلطنة، وإن أقدمنا على بعض المشاريع التي تدخل في مجال الخصخصة، كمشاريع تم تأسيسها، وليس لإسنادها للقطاع الخاص عندما كانت تُديرها الدولة، كما أشرنا في مقالنا السابق، إلا أن الإقدام على الشراكة أصبح من الأمور الايجابية لكلا القطاعين، لكن نرى أهمية مراجعة بعض السياسات الاقتصادية التي تراجعت عنها الدولة قبل عقدين من الزمن، فعلى سبيل المثال الشركة العمانية للطيران، التي كانت أقرب للشراكة بين القطاعين، بعد تخصيص حصة منها تقدر بـ 50% من قيمتها للقطاع الخاص، وكانت تسير بصورة جيدة وناجحة، لكن حصل عكس التوجه الذي سارت عليه الدولة في قطاعات كثيرة، ففي 2007 تم شراء الكثير من الأسهم بما يقدر بـ 50 مليون ريال، لتصبح الدولة تملك ما يقرب من 99%!! والآن الطيران العماني يُعاني خسائر كبيرة، قدرت بمئات الملايين وما تزال الخسائر تتوالى! فلماذا لا تتم الشراكة مرة أخرى في هذه الشركة الكبيرة؟ لماذا السكوت على هذه الخسائر الكبيرة وتتكبد الدولة مئات الملايين في الظروف الحالية؟ مع أنَّ الحاجة ملحة لوقف هذا النزيف من الخسائر!!. والحل في عودة الشراكة بين القطاعين لهذا الطيران الوطني الذي نتألم لخسائره سنوياً.

أيضًا لماذا تدير الدولة شركة عمران وتصرف عليها أيضاً؟ وهذا للأسف عكس التوجه الذي سارت عليه الدولة، سواء في إسناد المشاريع للقطاع الأهلي أو التخصيص في العقود الماضية، وقد قلت في مقال سابق إنه يجب أن تكون "شركة عمران قائمة بمشاركة مع القطاع الخاص بنسبة 50%، أو أن تكون للدولة نسب محددة، في التأسيس وعلى الأصح إقامة الشراكة في هذه المرحلة، وهذا ما يجعل القطاع الخاص فاعلاً، ويتم تخفيف الأعباء على الدولة، فلو أنَّ هذه المشاريع التي تقوم بها شركة عُمران، واجهت عقبات أو خسائر، فسيكون ذلك لتحميل الدولة أعباء ذلك". إذن الحلول الإيجابية، أن تتحقق الشراكة بين قطاعات الدولة والقطاع الخاص، وهذا ما سعى إليه منتدى الرؤية في نسخته الثامنة.