هل تُحاكم إسرائيل بجرائم الإبادة الجماعية؟

 

عبد الله العليان

غداة عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الجاري، التي نفذتها كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، أُصيبت إسرائيل في مقتل بضربة عسكرية وتكتيكية، لم يسبق أن حصلت لها من حيث الخسائر من القتلى والأسرى والمصابين في يوم واحد، كما حطّمت السمعة التي يتباهى بها المحتل الإسرائيلي أمام العالم، بأنه القوة التي لا تُقهر، وأنه الذراع الطولى في القدرة الاستخباراتية وغيرها من القدرات والإمكانيات.

هذه العقلية الأسطورية التي تعتقد أنها تتميز بها في المنطقة، انكسرت وتحطمت أمام فصيل فلسطيني صغير، لا يملك الطائرات، ولا الدبابات، ولا المدرعات، ولا أحدث ما أنتجه الغرب من أسلحة، وتفتقدها فصائل المقاومة.

لكن إسرائيل اتجهت بطائراتها وصواريخها وسفنها الحربية، لتشن هجماتها أولًا على الآمنين الفلسطينيين الأبرياء؛ حيث يتم التدمير الممنهج لعشرات المباني، وأغلبها دون سابق إنذار وهي مساكن ومبانٍ مدنية، لا توجد بها قوات ولا مخازن أسلحة للمقاومة، وإسرائيل تعرف ذلك حق المعرفة، وهو أن الفصائل المقاومة لا تحتمي بالمباني، ولا تستخدمها كقواعد عسكرية، لأن أغلبها تحت الأرض أو بعيدة عن السكان أو في أماكن غير معروفة. هذه بلا شك من الأساليب التي تستخدمها إسرائيل للانتقام من المدنيين، كما فعلت في الحروب السابقة على غزة.. لكن الحرب الذي أعقبت طوفان الأقصى، اختلفت عن الحروب السابقة التي تشنها إسرائيل على غزة كما هي عادة الصهاينة في الانتقام من الآمنين، هذا الانتقام جاء لعدم قدرتها على معرفة مواقع قواعد كتائب القسام وبقية فصائل المقاومة في هجماتها، وأيضاً فشلها في مواجهة المقاومة التي نجحت في العملية التي استهدفت القواعد والمستوطنات الإسرائيلية وقتلت وأسرت المئات من الضباط.

لذلك هذا القتل الرهيب في صفوف المدنيين من الرجال والأطفال والنساء منذ أكثر من 3 أسابيع، تسبب في سقوط آلاف الشهداء أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وبذلك فهذه جرائم حرب بكل المقاييس القانونية والأخلاقية، ومنها التي جاءت في نظم الأمم المتحدة وقوانينها التي صاغتها الدول الغربية نفسها بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك ما جاء في الإعلان العالمي الذي أصدرته الأمم المتحدة 1948، حيث كان واضحًا وعامًا في نصوصه، ففي المادة الثانية يقول هذا الإعلان إن: "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود".

ومع أن هذه الجرائم تنطبق على ما قامت به إسرائيل، فإن الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الكبرى، لم تتكلم عن هذه الانتهاكات غير الإنسانية والمخالِفَة قانونًا، واعتبرت أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها! رغم أنها قوة احتلال منذ 1948.. ومواجهة المحتل مكفولة بالقانون الدولي حتى تستعيد الشعوب المحتلة أرضها، وحقوقها وحريتها، فلماذا الشعب الفلسطيني لا يحق له هذا الأمر، وهو من حقوقه المشروعة؟

أشرت فيما قبل في أحد المقالات إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "لم يكن لها من العالمية الحقيقية إلا تسميتها الخارجية، لكنها في الواقع المعاش مجرد ديباجة إعلان بمفاهيم تقليدية تكاد تكون محاولة لصياغة جديرة خالية من المضامين القوية الجادة في مسألة حقوق الإنسان، لأنها تفتقر إلى عنصر الإلزام؛ ذلك أن هذا الإعلان جاء على النص الآتي: "لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هي أساس الحرية والعدل والسلام في العالم... ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع الفرد فيه بحرية القول والعقيدة، ويتحرر من الفزع والفاقة، ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم، ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد ومكانته، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية، وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدمًا، وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح، ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت متعاونة من الأمم المتحدة بضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها... ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد" إلى آخر الديباجة.

إذن المسألة إذن أبعد ما تكون من قضية الحقوق الإنسانية، فهي سياسية وفكرية، وتُحدد وفق هذا المعيار، ومن هنا يعيش الشعب العربي الفلسطيني هذه المأساة الإنسانية، دون أن تتحقق له الحياة الإنسانية الكريمة، والحق في استعادة وطنه وأرضه المحتلة، وما يجري من انتهاكات إسرائيلية وجرائم حرب، يعكس أحد المعايير غير العادلة في عصر ما يسمى بمكاسب حقوق الإنسان؛ حيث الكلام عنها لا يتوقف، لكن الواقع غير ذلك عندما لا يتم اتخاذ موقف!