نهاية النقد الورقي!

مُحمَّد السالمي

لو نظرنا في تطوُّر تكنولوجيا الدفع خلال التسعينيات إلى الآن، لوجدنا مقاصدَ المال تحوَّلت إلى النظم الرقمية؛ ابتداءً من بطاقات الخصم، وإلى وقت قريب استعمال أجهزة الهواتف الذكية في عملية الدفع.. فأغلب مُعَاملاتنا اليومية تتمُّ عبر الشبكة العنكبوتية، لا نَرَى العملة ولا نقبضها خلال المعاملة، وما نراه إنما هو رقم على الشاشة.. وما يتم حقاً هو عملية نقل المعلومات الرقمية من المتجر إلى البنك لتحدث عملية الخصم.

ظهرت في الآونة الأخيرة عِدَّة أنواع من العملات الرقمية، لعل أشهر العملات الرقمية المشفرة، والتي يتم تداولها بشكل واسع في السوق، ألا وهي البيتكوين، وأبرز ما يميزها أنها خالية من سيطرة أي بنك مركزي لها. أما في الوقت الحاضر فأقدمت عدد من الدول بدراسة جدية لإنشاء عملتهم الرقمية الخاصة، والتي يستطيعون إدارتها وتنظيم تداولها؛ أبرزها: السويد، والصين، والهند. فنقل المال بين البنوك المركزية من دولة إلى أخرى هو عملية مكلفة. كما أن طباعة النقود واتكال المستهلك البسيط على الإنترنت في معاملاته اليومية، فإنَّ هذه التكنولوجيا وتطويرها هي بالتأكيد المستقبل للبنوك المركزية. إضافة إلى أنه يُمكن اعتماد سلسة الكتل (Block Chain) الأساس، أو البيئة الرقمية الآمنة لتداول العملات الرقمية. وكما بيَّن بن برنانكي رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق، فإنَّه في المستقبل قد تكون العملة الرقمية شكلا من أشكال المال الشرعي المتداول؛ ففي السويد تحديداً يتم العمل بنشاط على إصدار عملة رقمية بعد انخفاض شعبية النقد في المعاملات؛ مما يؤهلها لتكوين أول مجتمع غير نقدي بالعالم.

وفي المقابل، لا تزال معظم الابتكارات التكنولوجية مرتبطة بالبنوك التقليدية، ولا يعتمد بشكل جذري على البلوكتشين.

وعلى الرغم من أن العديد من الدول قامت بالاعتراف بالعملة الرقمية كوسيلة شرعية للتداول، ولكن لا يزال الإقدام على إصدار العملة الرقمية من قبل البنوك المركزية أمرا مشكوكا فيه في المستقبل القريب؛ مثل: اليابان، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي؛ حيث لم يتم اختبارها عمليًّا، وتحتاج إلى مزيد من المراقبة قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة؛ حيث ينطوي على العديد من المخاطر غير المفهومة. كما أن العملات الورقية لا تزال وسيلة شائعة للتداول، وأنَّ الفائدة المرجوة قد لا تحقق أهدافها. أحد التخوُّفات أيضا يتمحور في حال السماح للعامة بالخيار في تخزين أموالهم الرقمية لدى البنوك المركزية أي في "المحافظ الرقمية" دون الرجوع للبنوك التجارية في وضع إيداعاتهم، وطلب الحوالة وغيرها من المعاملات المصرفية؛ مما قد يشكل تهديدًا منافساً للبنوك التجارية. من جهة أخرى، قد تكون عاملاً مسنداً لدى الصين، حيث إنها تفرض من الأساس بعض العوائق على البنوك التجارية وتجارة العملات، وهذا يظهر جليًّا في كون أكبر البنوك هي ملك للحكومة. ومن هنا، فإنَّ الحكومة الصينية تولي اهتماما كبيرا بالعملة الرقمية؛ لما لها من أهمية كبيرة في مكافحة الفساد، وإدارة وإحكام المعاملات المصرفية.

أمَّا في الشرق الأوسط، فأقدمت مؤخراً كلٌّ من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، على طرح خطة لإصدار عملة رقمية؛ حيث سيتم اعتماد العملة بشكل صارم في الحوالات بين عدد من البنوك على أن تتوسع بعد ذالك دائرة استخدمها مع النظر في متطلبات الاقتصادية والقانونية المستقبلية، ولتعزز نظام البلوكتشين Block Chain، وفهم أبعادها، وهي خطوة جريئة بحد ذاتها لتعزيز النظام المصرفي. أما في السلطنة، فلا تزال اللوائح والأنظمة حول العملات الرقمية، أو التصريحات حول إصدار عملة رقمية، غير موجودة؛ لما قد ينطوي عليه الأمر من مخاطر مُبهمة، ولكن هل سيقدم البنك المركزي العماني -على المدى القريب- على دراسة جدوى في إصدار عملة رقمية؟!

تعليق عبر الفيس بوك