أوقفوا الاجتهاد.. بعد النص السياسي الجديد

د. عبدالله باحجاج

لم تعد جدلية التساؤل المثير للجدل، وهو هل سيكون المركز الوطني للتشغيل منتجًا لفرص العمل أم منسقًا بين جهات التشغيل في القطاعين العام والخاص، تطرح نفسها الآن بعد أن حسم عاهل البلاد - حفظه الله ورعاه- هذا الجدال أثناء ترؤس جلالته مجلس الوزراء مؤخرا، وقد حمل لواء الإغراق نخبا خرجت من صناديق الاقتراع عندما اجتهدوا من تلقاء أنفسهم، ورجحوا التنسيق مما ظهروا وكأنّهم يسوقون أفكارا بالنيابة عن غيرهم في ظل صمت الجهات الحكومية المعنية.

وقد برروا اجتهادهم بخلفية المعلومات التي يستمدونها من مشاركتهم في ورش رؤية 2040، والمأخذ عليهم أنّهم بهذا الاجتهاد قد يفوتون فرص تطوير المرئيات المرفوعة أو تحديثها من قبل صانع القرار، لكن ردة فعل الباحثين عن عمل وبعض الأقلام قد وضعت هذا الاجتهاد في زاوية ضيقة، وأوضحت عدم جدوى الدور التنسيقي للمركز، وأنّه لن يكون في مستوى التطور المنشود والمأمول لقضية الباحثين عن عمل، وكل من تابع أحاديث وتوجيهات عاهل البلاد - حفظه الله- في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، سيلاحظ أنّ هذه الجلسة قد وضعت حدًا فاصلا لجدلية التساؤل، نلمس ذلك في إشارة جلالته إلى أهميّة الدور الذي سيضطلع به المركز الوطني للتشغيل، وحددها حرفيا في "توفير فرص العمل" أي أنّه سيكون مُنتجًا لفرص العمل، بمعنى أنّه لن يكون بمثابة سكرتارية تنسيقية بين القطاعين العام والخاص، فمفردة "توفير فرص العمل" تختلف شكلا وجوهرًا عمّا يراد للمركز أن يكون له دور "تنسيقي" وإذا كان كذلك؛ أي سكرتارية.

فما الجديد من إقامة هذا المركز قياسا بوجود الهيئة العامة لسجل القوى العاملة؟ ربما يكون في تجميع بعض اللجان وصلاحياته في المركز، فهل هذا سيكون في مستوى تحديات قضية الباحثين عن عمل؟

وحتى لو استندنا إلى بيان مجلس الوزراء الصادر في الثاني من يناير الماضي، المنشئ للمركز الوطني للتشغيل، سنجده يسلم بمشروعية توفير فرص العمل من قبل المركز، يتجلى ذلك في البيان نفسه عندما حدد البعد الغائي من المركز بقوله حرفيا "تسريع وتيرة التشغيل ومعالجة أية معوقات أو تحديات تعترض هذا المسار" فهل تجسيد ذلك الهدف الاستراتيجي سنجده في دور المركز التنسيقي أم دور توفير الفرص؟ وهذا البيان يتناغم تماما مع النص السياسي سالف الذكر، وهذا التوضيح بثنائيته، يبدد ذلك الاجتهاد، ويلزم الدفع بالمركز نحو دور إنتاج الفرص وليس التنسيق، وبالتالي، يوجه المعنيين باستكمال كافة الجوانب المرتبطة بالمركز نحو دور توفير الفرص وليس العكس.

ورغم حالة الوضوح الآن لدور المركز، لا يزال لدينا هاجس متنامٍ من مسألة بلورة دور المركز بمفهوم السياسي الواضح الدلالة، وهناك الكثير من الشواهد التي تجعلنا نثير هذا الهاجس الآن، لكن ومهما يكن فإنّه- أي النص السياسي- سيشكل مرجعيّة الاعتداد والانتصار للدور الإنتاجي للمركز دون غيره، وستعطي هذه المرجعية الحق في الدفاع عن هذا المسار إذا لم يكن كذلك، لأنّه قد أصبح لدينا الآن نص واضح وصريح.. وله دلالة مجمع عليها مما يجعلنا نحسم هذا الجدال بهذا المحدد، والآن تتجه الأنظار إلى الشخصية التي ستتحمل هذه المسؤولية الوطنية، وقد قدمنا مع غيرنا من أصحاب الأقلام الكثير من الأفكار الإيجابية والموضوعية القابلة لكي ترى النور يمكن أن يستفيد منها رئيس المركز، ونتمنى أن يتم تجميعها وتسلم إليه كملف متكامل يمكن أن تشكل له خارطة طريق لقضية توفير فرص العمل للباحثين عن عمل.

من ستكون هذا الشخصية؟ نتمنى أن يتم اختيارها وفق أسس موضوعية؛ حيث يتنافس بعض القائمين على رئاسة وعضويات اللجان والمراكز من أجل الامتيازات الكبيرة، فالمتأمل في رئاسة بعض اللجان وعضوياتها مثلا، سيلاحظ أنّ سبب إخفاقها أو محدودية إنتاجها، يرجع إلى عدم تفرّغ أطرها وكوادرها رغم أنّ هذه اللجان تحتم التفرّغ وتلح على الكفاءة المتجردة من خارج المحسوبيات ومن خارج القوى الاقتصادية المنتفعة من المسارات الوطنية الجديدة، وإذا ما توفر للمركز الوطني للتشغيل تلكم المقومات الهامة في الشخصية المنتظرة للمركز، ستتجه إليه الرهانات الوطنية في قضية البلاد الأولى "مرحليا" وستعقد عليه الآمال في إقامة شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، فكلاهما يكملان النجاح المنشود، ودون هذه الشراكة، لا يمكن توقع تحقيق النجاح المنشود في قضية الباحثين عن عمل، لأنّه - أي النجاح- لن يكون في القرارات الفوقية وإنما عبر إشراك القطاع الخاص سواء في مجالات الإحلال أو التعمين الفوري أو الممنهج أو دراسة وتخطيط مستقبل القوى الوطنية العاملة وتوجيه مسارات التعليم نحو الفرص المستقبلية.

ولن يكون كذلك النجاح المأمول في الدور التنسيقي للمركز "سكرتارية"، فلو نجح هذا الدور في تجربة الهيئة العامة لسجل القوى العاملة، لما تمّ القفز فوقها، وكان التوجه إنشاء المركز الوطني للتشغيل، وهذه الفكرة تدعم الدور الإنتاجي لفرص العمل للمركز، لأننا لو نقلنا الدور التنسيقي من الهيئة للمركز، فما الحكمة من ذلك؟ وأين جديد المركز؟ سيبدو وكأنّ التطور في المسمى فقط عبر تغييره من مسمى الهيئة إلى مسمى المركز، بينما الحاجة تلح على محتوى يملك قوة التأثير وقوة توليد فرص العمل وقوة إقامة شراكة فعلية مع القطاع الخاص وقوة الثقة والصدقية مع الباحثين عن عمل، وهذا سيكون متاحًا وممكنا للمركز الوطني للتشغيل وفق محدداته سالفة الذكر مع التركيز على الشخصيّة القيادية التي ستتولى شرف مسؤولية ملف الباحثين عن عمل، قضية البلاد الأولى "مرحليا" فكفى بهذه القضية من حجة تجعلنا نبحث بعناية عن هذه الشخصية الوطنية.