خلفان الطوقي
من أصعب المقالات التي كتبتها في السابق أو فيما سوف أكتبه هي عن موضوع "الباحثون عن عمل" والسبب يعود إلى حساسيتها، وتكمن حساسيتها في كمية الآراء المطروحة حول هذا الموضوع، وحساسية البعض عندما تطرح رأيًا يختلف مع وجهة نظره، ومن منطلق ضرورة كتابة ما أراه مناسبًا مهما كان وقعه وبسبب إيماني بأهمية إيجاد رؤى تخدم الوطن وتساعد في تنميته، وتدعم المسؤولين في النظر إلى هذا الموضوع الحساس من زوايا مختلفة، وتدعو الباحث عن العمل إلى فتح آفاق أخرى والتعود على الاستماع إلى وجهات نظر أخرى قد تختلف عن ما يطرب أذنه، وأن اتفقت أو اختلفت رؤانا لكننا لا نختلف في شيء واحد وهو حب الوطن ورؤيته بلدا آمنا مستقرا.
بالرغم من تعاطفي الشديد وتعاطف مُعظم النَّاس مع إخواننا وأخواتنا من الباحثين عن عمل إلا أنني ومن باب الأمانة لا اتفق مع بعض تعليقاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعو على سبيل المثال إلى التوظيف بدون مقابلة أو الهجوم العنصري غير المبرر ضد الأجنبي وكأنه غاصب ومعتدٍ وبعض التعليقات أو المقاطع المتشجنة التي تدعو للضغط على المسؤولين من خلال الهاشتاجات المهيجة للعاطفة، فكما أنَّ هناك قصوراً من بعض الوزارات أو المؤسسات، يوجد قصور ومسؤولية من الباحثين عن عمل، وإن لم يعترفوا بها أو يتقبلوها، وكما ذكرت في عدة مقالات سابقة أنَّ ملف الباحثين عن عمل هو ملف مشترك وليس ملف وزارة القوى العاملة أو الخدمة المدنية كما يتصوره البعض، بل تشترك فيه عدة جهات منها القطاع الخاص والباحث عن العمل نفسه وولي أمره والمجتمع والجهات التشريعية والرقابة والقضائية وغيرها، لكنه للأسف هناك من يُريد أن يضع هذا الملف في طاولة وزارة القوى العاملة ويضعهم في فوهة المدفع، فكما يعلم الكثير من القراء أنَّ معظم دول العالم أن حكوماتهم ليست ملزمة لتوظيف أبنائها، ولكنها في ذات الوقت ملزمة بوضع سياسات منظمة ومشرفة ومراقبة لسوق العمل تضمن ديمومة التنمية والتي تجلب فرص عمل لمواطنيها من خلال السياسات التي توضع والمتوافقة مع متغيرات السوق وظروفه.
يتضح هنا أنَّ مؤسسات الدولة الرسمية لعبت دوراً ليس دورها وعليها أن تتحمل المسؤولية، وإذا أرادت الحل فالحل يكمن في أن تلعب دورها في تنظيم السوق وتهيئة البنية التحتية لممارسة الأعمال وتوسعة رقعة السوق وتحفيز الاقتصاد الكلي من خلال السياسات الاقتصادية الصحيحة، وتخفيف الأثقال عن كاهل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة برسوم تتطابق مع المؤسسات العملاقة بغض النظر عن حجم إنتاجهم ومبيعاتهم وتوسعهم. وعلى الجهات المعنية أن تدرك أنَّ هناك فرقا شاسعاً في فتح النشاط التجاري وبين ممارسة الأعمال واستمراريتها، فإن كان مهماً فتح أنشطة تجارية جديدة، فالأهم والأجدى استمراريتها، فاستمرارية هذه المؤسسات يعني توسعها مما يعني زيادة عدد موظفيها، وزيادة رسومها، وبالتالي ضمان استمرارية التنمية وقوة الاقتصاد المنشود الذي يُقلل الفقر ويقلل الجريمة ويرفع من مستوى معيشة الفرد وتزيد حاجاته ومشترياته، والعكس بالعكس. فالعتب على الحكومة هنا يجب ألا يركز على جزئية واحدة وهي توفير وظائف للباحثين عن عمل، وإنما من الأفضل أن تسعى الحكومة لوضع السياسات الاقتصادية التي تضمن تحقيق عشرات الأهداف الاقتصادية والأمنية والاجتماعية؛ كزيادة الاستثمار الداخلي والخارجي وزيادة المشاريع بكافة أحجامها وقطاعاتها المختلفة وجذب العملة الأجنبية وضمان بقاء الأموال في البلد وغيرها الكثير، ومن ضمنها توفير فرص وظيفية وارتفاع مستوى حياة الفرد العماني.
ما سبق ذكره مجرد وجهة نظر كاتب هذه السطور، إما أن تصيب أو تخطئ، لكن لنضع عمان وأمنها وسمعتها فوق كل اعتبار، وإن كان لي كلمة في هذا المقام، فإني أدعو الجميع أن يضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وأن يبتعد بعض المُغردين عن بعض التعليقات التي تسيئ وتجرح وتشكك وتسخر وتسب وتستصغر من يختلف معها وتهيج العواطف وتسوق ما يُناسب مصلحتها فقط، ادعوها للتعبير عن وجهة نظرها بكل حرية وأريحية بالمنطق والحجة والعقلانية والحكمة والقول الحسن، وأن تضع مصلحة عمان فوق كل اعتبار، فمصلحة الوطن تعلو أي مصلحة أخرى.. والله ومن وراء القصد.