جيل "البرجر والآيسكريم"!

 

 

محمد بن حمد البادي

 

تحدثت في مقال سابق بعنوان "الشباب.. ثروة الوطن التي لا تنضب"، عن الشباب الذين هم أساس التطور الحضاري لجميع بلدان العالم؛ فهم ثروة الوطن الحقيقية التي لا تنضب، وهم الطاقة المتجددة والمتوقدة القادرة على البذل والعطاء دون كلل أو ملل، وهم الفئة المنتجة والقادرة على الوصول إلى أعلى مراتب الرقي المجتمعي، وإلى التطور المُتكامل والمتنامي.

ومما لا شك فيه أنَّ جيل الشباب الحالي هم جيل الثورة الصناعية الرابعة بكل ما تشمله من مفردات، إنهم جيل التكنولوجيا الحديثة، والذكاء الصناعي، وتقنية النانو، كما أنهم جيل الابتكار العلمي، ولديهم الكثير والكثير من المواهب والقدرات والطاقات المتجددة.

ووفق ما نشر في الإصدار الخامس لنشرة إحصاءات السكان الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات فإنّ حوالي 36% من العُمانيين أطفال أقل من 15 سنة، و60% منهم في سن العمل (15-64 سنة)، الأمر الذي حفز الحكومة للسعي حثيثاً نحو الاستثمار في بناء الشباب المؤهل الذي يمتلك مهارات الإبداع والابتكار، وهذا يتجسد على أرض الواقع من خلال إستراتيجيات وسياسات عدة وضعت لتمكين الشباب من المساهمة بشكل فعّال في مسيرة البناء، ويأتي السادس والعشرون من أكتوبر من كل عام ليشكل إضافة نوعية للشباب العُماني حيث يومهم الذي يستجمعون فيه تطلعاتهم لغد أفضل، ويفتخرون بمنجزاتهم التي حققوها للوطن فيما مضى.

شبابنا ليسوا جيل "البرجر والآيسكريم" كما ادعى أحد الجالسين على الكراسي المخملية، ممن يسبق اسمه لقب "سعادة"، حين أطلق عليهم هذا الوصف بنبرة لا تخلو من استعلاء. يا صاحب السعادة سر على خطى القائد، واقتفِ أثره، وأنر طريقك بكلماته المضيئة، وتأمل خطابه السامي وليكن نبراساً لك في التعامل مع الشباب.

فحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- كان مدركاً تماماً لأهمية الشباب، ومقدراً لعطائهم وبذلهم وتفانيهم في خدمة الوطن، حيث عبَّر عن ذلك من خلال الخطاب السامي الذي ألقاه بمناسبة احتفالات السلطنة بالعيد الوطني الثاني والعشرين المجيد حين أكد على أن "الشباب في كل أمةٍ هم أملها الواعد وذخيرتها للمستقبل، وبقدر ما ينالون من عناية ورعاية وتوجيه وتثقيف، وإعداد وتأهيل، وإذكاءٍ لروح الانتماء الوثيق للوطن في نفوسهم، يكون عطاؤهم وبذلهم وتفانيهم وإخلاصهم وتضحيتهم وإيثارهم".

إنَّ خطاب القائد المفدى ـ حفظه الله ورعاه ـ أنصف الشباب الذين هم أمل المستقبل وجيل الحداثة والتقنية، فمن غير اللائق أن يأتي أحدهم بعد ذلك ويصف شبابنا وهم عماد الوطن وثروته التي لا تنضب بهذا الوصف الذي يختزل مواهبهم وإمكاناتهم، ويقزم قدراتهم وطاقاتهم الكامنة، ويهدم ذواتهم المتطلعة لتحقيق طموحات وطن غالٍ ومجتمع بأكمله.

ما هكذا تورد الإبل يا صاحب السعادة، "جيل البرجر والآيسكريم" هم نتاج مسيرة التنمية، جيل يملك المعرفة والمهارة، جيل الابتكار والبحث العلمي، جيل صناع المستقبل ورواده.. نعم طريق بناء عمان كان صعباً وشاقاً، لكنهم يدركون تماماً، ونشاركهم هذا الإدراك، أن باستطاعتهم تكملة المشوار لعمان أفضل.

ولصاحب السعادة، ما هي المعايير والأسس التي استندت عليها لتتخمر في عقلك هذه القناعة، بأنَّ الشباب هم "جيل البرجر والآيسكريم"؟ بل أين هي تلك الدراسات والبحوث التي استقيت منها معلوماتك عن الشباب؟

متى كانت آخر مرة جلست مع الشباب؟ وخصوصاً أولئك الباحثين عن عمل؟ ماذا تعرف عنهم؟ عن آمالهم وتطلعاتهم المستقبلية؟ ما هي مؤهلاتهم، إمكاناتهم، قدراتهم،ميولهم، مواهبهم، ابتكاراتهم؟

 هل استمعت إليهم يوماً ما؟ .. حاورتهم .. ناقشتهم .. حاولت إيجاد حلول لقضاياهم؟

برأيك يا صاحب السعادة، ماذا لو تمت استضافة هؤلاء الشباب يوماً ما تحت قبة مجلس الشورى؟ أو أي مكان آخر، وخصوصا أولئك الباحثين عن عمل، ممثلين اثنين عن كل ولاية،على أن تتم محاورتهم بشكل شفاف عن الصعوبات التي تواجههم، عن تطلعاتهم المستقبلية، آمالهم، طموحاتهم، أكاد أجزم أننا سنسمع ما لم نسمعه من قبل،على الأقل ستتغير قناعة البعض عنهم بأنهم ليسوا أهلاً للثقة، ولن ننظر إليهم بنظرة دونية، ولن نختزل قدراتهم وإمكاناتهم، ولن نقزم طموحات وآمال جيل بأكمله ونصفهم بأنهم فقط "جيل البرجر والآيسكريم".

ما النتيجة المرجوة من سياسة التهميش؟ أو النظرة بأن جيل الشباب هم جيل الدعة والراحة؟ أو كما يحلو لك وصفهم بأنهم "جيل البرجر والآيسكريم"؟ لقد أٌغلقت الأبواب أمام طموحاتهم، واصطدمت آمالهم وتطلعاتهم بجدران من التعقيدات، لم يأخذ أحد بأيديهم، ولم تتح أمامهم أي فرصة لإثبات الذات، لم يحظوا بالتشجيع أو الإرشاد أو التوجيه المناسب.

"جيل البرجر والآيسكريم" يا صاحب السعادة، جيل يتعلم من الماضي العِبر، ويرسم طريق المستقبل، جيل نعوّل عليه في التخطيط والتطوير والتنمية للنهوض بالوطن نحو آفاق أرحب، تضعه في مصاف الدول المتقدمة علمياً واقتصادياً وتكنولوجياً، لا يحتاجون إلى كراسي مخملية للإنجاز، ولا طاولات من عاج، ولا أوراق ذهبية، ولا أقلام من زمرد، فقط افتحوا الأبواب مشرعة أمامهم، امنحوهم الثقة الكاملة، اعطوهم فرصة للعمل، افتحوا باب التوظيف، قدموا لهم الدعم اللازم، خذوا بأيديهم نحو تحقيق أحلامهم وطموحاتهم، افسحوا لهم المجال للمساهمة الفعالة في بناء الوطن، اعطوهم الفرصة كاملة ليثبتوا للعالم أنَّهم جيل الثورة الصناعية الرابعة، جيل التطور والحداثة، وأنهم ليسوا فقط "جيل البرجر والآيسكريم".

تعليق عبر الفيس بوك