الخيانة.. جريمة بحق الوطن

 

حميد بن مسلم السعيدي

 

تمكنت الدول الاستعمارية في الماضي من السيطرة والتحكم في العديد من دول العالم، واستولت على كافة مواردها لفترات طويلة من الزمن، وقد ساعدها في تحقيق ذلك الاعتماد على فئة معينة من المواطنين ممن باع وطنه بثمن بخس وهم الخونة، والذي كان لهم دور كبير في التأثير كونهم يقوم بدور بالتعاون في نقل المعلومات وتغيير الاتجاهات مما أسهم في إحكام هذه القوى سيطرتها على الدول المستعمرة، خاصة أنّ الخونة تكون أدوارهم متعددة ويتلقون الدعم مما يسهم في وصولهم إلى مستويات عليا في السلطات والمؤسسات، وتصبح الدول رهينة لتصرفات الدول التي تتحكم فيها، حيث تعمل على توجهها وفقا لمصالحها من خلال هؤلاء المتعاونين، مما يجعل هذه الدول تعاني من العديد من المشكلات وتعيش مرحلة من التفكك والانحلال، ويبعدها ذلك عن تحقيق الوحدة الوطنية ومواجهة الاستعمار، لذا اعتبرت الخيانة من أشد الأعمال فتكاً بالدول وتأثيرًا على المصالح الوطنية.

واليوم تعمد الكثير من الدول إلى التحكم في دول أخرى لتحقيق مجموعة من المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية، بل لتوجيه كافة الموارد الطبيعية والبشرية من أجل تحقيق مصالح معينة بغيّة التأثير على اقتصادها وأمنها واستقرارها، مما يخلق دولة ضعيفة تعاني من مشكلات متعددة بصورة مستمرة، مما يسهل التحكم فيها، وجعلها دولة تابعة لدولة أخرى تقوم على تحقيق أهدافها وسياستها، أو تسعى إلى التحكم في قراراتها وسياساتها الداخلية والخارجية، لذا تعمل هذه الدول على الاعتماد على تشكيل خلايا التجسس بالاعتماد على مجموعة من الخونة أولئك الذين يشرفون أو يعتلون مناصب عليا ذات تأثير على الدولة وعلى قراراتها ومصالحها، حيث تعمل تعمد على شراء الذمم من خلال العديد من الإجراءات بعضها متعلق بالجانب المادي وبعضها بحكم العلاقات.

وتصنف الخيانة بأنّها أكبر الجرائم التي ترتكب بحق الوطن، وعقوبتها لا تقل عن الإعدام، فالجرم الذي يقوم به الخائن لا يمكن معالجته ويبقى تأثيراته على الوطن لفترة طويلة من الزمن، ويعتمد ذلك على حجم الفعل الذي قام به ضد وطنه، فخائن الوطن من قام ببيع وطنه بثمن بخس، وقام بالتعامل مع الأعداء ضد وطنه، سواء بتقديم معلومات أمنية على مستوى عالي من السرية، أو العمل على التأثير في القرارات المتعلقة بمصلحة الوطن على مستوى الاقتصاد الوطني، وعلى المؤسسات والقطاعات الخدمية والتأثير في أدائها بطريقة غير مباشرة، أو المساهمة في نشر الفوضى والإضرار بالأمن الوطني، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والتحريض على الحكومة ونشر الإشاعات.

وخطورة الخيانة على مستوى عال، ودورها في تقويض أمن الدول واستقرارها تبقى لفترة طويلة من الزمن، فهؤلاء الخونة عندما يصبحوا بائعين للوطن، فإنّ الطرف الآخر لن يتركهم اطلاقا فيصبح الخائن عبدا له ينفذ أوامره وتعليماته ويسرب إليه كافة البيانات والمعلومات، وتكون الخطورة أكبر عندما يكون الخائن في المؤسسات الأمنية وعلى مستوى عال من الرتب الوظيفية، وهنا تكمن خطورة هؤلاء الخونة، وتأثيرهم الذي لا يمكن معالجته، لأن البيانات التي تم تسريبها لا يمكن معالجتها لاحقا، فهؤلاء مصيرهم الإعدام، فإن لم تحكم عليهم عدالة الأرض، فإن عدالة السماء لن ترحم أرواحهم.

وحيث لا يمكن أن يُغفر للخائن أو تصاغ بحقه المبررات، فهؤلاء الخونة لا أرض لهم ولا انتماء في قلوبهم، فالخائن قد خان أرضه وعرضه وأسرته وأولاده وإخوته ووطنه، وما يرتكبه من جرم يبقى معلقا على صدره إلى يوم يقبر تحت الأرض، تلك الأرض التي لن تقبل بتلك الجثة العفنة التي نمت وعاشت بأموال الخيانة.

لذا يبقى المواطنون الأوفياء هم خط الدفاع الأول ضد كل الدسائس والمؤامرات التي تحاك ضد هذا الوطن، ونؤمن بإن الحق يبقى شامخا عاليا لا يمكن أن تطاله أيادي الخونة، وأنّ لهذا الوطن قلوب لا يمكن أن تنام عيونها دون أن تقدم أرواحها فداء له وحماية لأرضه وحدوده ومستقبله، وعلينا أن ندرك حقا أنّ كل هذه الدسائس التي تحاك ضد الوطن سوف يكشفها الزمن، وعلى كل خائن أن يدرك أنّ من يتعامل معه ينظر إليه أنّه حثالة لا يستحق إلا أدنى النظرات، فهو في داخله ينظر إليه أنّه عبد خائن ينبغي الحذر منه، فمن خان وطنه لا يمكن أن يؤتمن على أي أمر.

واليوم الذي نرى فيه هذا الوطن يخطو نحن المستقبل فإننا نعاهد الله والوطن والسلطان على أن نكون حماة لهذا الوطن مستلهمين من الفكر السامي رسالة على جبهاتنا تنير لنا طريق الحق، فالقسم لا يأتي باللسان دون الفعل فهناك الكثيرون من قسموا بأيديهم ولكنّهم باعوا الوطن، واقتبس من النطق السامي: "على كل مواطن أن يكون حارسا أمينا على مكتسبات الوطن ومنجزاته التي لم تتحقق كما نعلم جميعا إلا بدماء الشهداء، وجهد العاملين الأوفياء، وألا يسمح للأفكار الدخيلة التي تتستر تحت شعارات براقة عديدة، أن تهدد أمن بلده واستقراره، وأن يحذر ويحذر من هذه الأفكار التي تهدف إلى زعزعة كيان الأمة". وهذا التوجيه السامي ينبغي أن يعلق على بوابة كل مؤسسة في هذا البلد، وأن يدرس في المناهج الدراسية وأن يعاد تشكيل وبناء الفكر لدى أبناء هذا الوطن، وأن يزرع في قلوبهم حب الوطن وحمايته، وأن يأخذ من هؤلاء الخونة صورة مجسدة لتاريخهم وما قاموا به بحق الوطن.

وعلينا أن نتمعن في الواقع الذي نعيشه من خلال تمسكنا بوحدة هذا الوطن، والذود عنه والتضحية من أجل رفعة الراية العُمانية والتي ستبقى مرفوعة شامخة على أكتاف أبناء هذا الوطن، لذا علينا أن نعاهد الله والوطن والقائد بأن نكون عند الوعد، وأن نعمل على صون مكتسبات هذا الوطن ومنجزاته والذود عنه بأروحنا.