مستقبل "شورى 2018" بالبحرين

 

 

عبيدلي العبيدلي

 

حددت نتائج الجولة الثانية من انتخابات 2018 النيابية في البحرين الشكل النهائي لشخصيّة البرلمان القادم، الذي سيتولى مهمة التشريع في ظل أوضاع دولية سريعة التغير، وظروف إقليمية عربية، وعلى وجه التحديد الخليجية منها، في غاية التعقيد، وأحوال بحرينية متسائلة ترفع علامات استفهام كبيرة بحاجة إلى إجابات نسبة عالية منها تتطلب الإجابات التشريعات المناسبة.

في خضم ذلك، نعمت كل من السلطة التنفيذية، والحجرة النيابية من المجلس الوطني البحريني باهتمام فاق في العديد من جوانبه تلك التي حظي بها مجلس الشورى الذي ينبغي  كما ينص على ذلك الدستور ويدعو الميثاق الوطني؛ أن يكون الجناح الثاني الذي يحلق به طائر السلطة التشريعية في البحرين.

وتقف وراء هذه التوزيع في نسب الاهتمام الكثير من العوامل، ربما يكون الأبرز بينها كون آلية الترشيح في البرلمان والتعيين في الأخريين هي التي تعطي البرلمان ذلك الزخم الجماهيري الذي يواكب عملية انتخاب أعضائه، وفي ذلك الكثير من الغبن لما تؤديه الغرفتان من مهام؛ وعلى وجه الخصوص مجلس الشورى منها، عندما يتعلق الأمر بالجوانب التشريعية.

هذه الحالة غير المنصفة تجاه مجلس الشورى تقتضي من المراقب للتحولات التي عرفتها الساحة السياسية في البحرين التوقف مليا أمام الدور، الذي يمكن أن يمارسه مجلس الشورى كمؤسسة، وأعضاؤها كأفراد في صياغة معادلات العمل السياسي في البلاد سواء في علاقة السلطة التشريعية بالسلطتين الآخريين، أو في علاقتها اليومية بالمواطن العادي.

الوصول إلى ذلك يتطلب القيام بنوع من العصف الذهني المرتكز على تحليل مكامن القوة، ومواطن الضعف، والفرص المتاحة، والمخاطر المتوقعة (SWOT Analysis)المتربصة بمجلس الشورى. وكما يحدد ذلك المنهج من التحليل، تصنف عناصر القوة والضعف في الخانة الذاتية (الداخلية)، في حين توضع عوامل الفرص المتاحة والمخاطر المتوقعة في المربعات الموضوعية، أي الخارجية.

فعلى مستوى عناصر القوة (Strength) التي يتمتع مجلس الشورى يمكن رصد المسائل التالية، مركزين على الأكثر أهمية بينها:

  1. يتم تحديد عضوية المجلس بالتعيين، وليس بالانتخاب، ولا ضير في ذلك، مما يزيل عن كاهل العضو "ابتزاز"، إن جاز لنا القول العملية الانتخابية برمتها، وبالتالي فسلوكه منذ اللحظة التي يكتسب فيها عضوية مجلس الشورى، لا ترهقه نتائج الدورة الانتخابية القادمة، كما هو الحال مع العضوية البرلمانية. هذا لا يعني ضمان تلك العضوية، لكنها لا ترتبط بالتقويم الجماهيري؛ الأمر الذي من شأنه تشجيع ذلك العضو على الانصراف كلية نحو العملية التشريعية بدلا من إنهاك نفسه في القضايا الخدمية، فهو ليس في حاجة؛ إن حق لنا التعبير، لصوت المواطن.
  2. لا يجد العضو نفسه مطالبا، بفضل تركيبته الذهنية القائمة على التعيين وليس الانتخاب، في خندق المواجهة مع السلطة التنفيذية، بل على العكس من ذلك تماما، يسيطر على سلوك ذلك العضو، منهج "التفاهم"، وتسيره آليات قيم التكامل، أكثر من تلك التي تولدها ذهنية "المناكفة"، أو المعارضة المطلقة، لكل ما يصدر عن السلطة التنفيذية. وهذا من شأنه زيادة ثقل مجلس الشورى في العملية التشريعية برمتها.

 

أمّا بالنسبة لعوامل الضعف (Weakness)، فيمكن،أيضا تشخيص الأبرز فيها على النحو التالي:

  1. الخلفية الذهنية النابعة من آلية التعيين، بدلا من الانتخاب، التي تدفع نسبة عالية من الأعضاء، تحاشيا للتعميم غير العلمي ولا الدقيق، التخلي عن حقهم المشروع في إبداء أي شكل من أشكال الاختلاف مع السلطة التنفيذية، وفرض رقابة ذاتية غير مبررة تحول دون إفصاح العضو بما يراه مخالفا لما تطرحه تلك السلطة، حتى عندما يكون الأمر في صالحها.
  2. سيطرة الذهنية التنافسية، ومحاولة إثبات الذات، لدى بعض الأعضاء، المنبثقة من رغبة جامحة للتميز عن البرلمان، الأمر الذي يضع الطرفين في حلبة منافسة غير مطلوبة، وتفتقد إلى المنطق. فتحرف المهام من مراقبة السلطة التنفيذية، وإصلاح أي إعوجاج تعاني منه، إلى المنافسة الموهومة التي تستهلك جهود مجلس الشورى، وتبدد قدرته، وتحرفه عن مساره الصحيح، بوعي أو حتى بدون وعي، مما يفقده أكسير التحول إلى حجرة تشريعية قوية ومتماسكة.

ينقلنا ذلك إلى خانة الفرص (Opportunities) المتاحة أمام مجلس الشورى، والتي يمكن فرز الأهم بينها في النقاط التالية:

  1. أمام مجلس الشورى فرصة تاريخية، متى ما قرر هو "التمرد" على تلك الذهنية التي تأسر نفسها في دائرة "التعيين"، والانتقال إلى قوة تشريعية حقيقية قوية ومبادرة، تقتنع ذاتيا على المستوى الفردي وداخليا على الصعيد المؤسساتي، بالصلاحيات التشريعية التي يضعها بين يديها الدستور والمشروع الإصلاحي على حد سواء فتسارع كي تأخذ موقعها الطبيعي كسلطة تشريعية كاملة الصلاحيات يقع على عاتقها اقتراح التشريعات التي تنقل المجتمع البحريني من حالته الراهنة إلى تلك التي يحلم بها الجيل الشاب من فئات هذا المجتمع.
  2. كسب ثقة طرفي المعادلة الآخرين: السلطة التشريعية من جانب، والسلطة التنفيذية من جانب آخر، كي تتشرب الأولى بالسلوك التشريعي، وتنضي عنها جلباب الشخصية الخدماتية، وتتخلص الثانية من حذرها الذي يكبل حركتها، وتنفض عنها ثوب الريبة التي يقيم سور برلين بينها وبين السلطة التشريعية، وتتكامل بفضل ذلك العلاقة التي تقوم على المعادلة الصحيحة التي تأخذ بيد الحكم نحو المجتمع النموذجي الذي يفتش عنه الجميع.

هذا يوصلنا إلى المربع الأخير، في منهج التحليل، وهو مربع المخاطر (Threats)، الذي يمكن سرد أهم مكوناتها في النقاط التالية:

  1. الضمور التدريجي القاتل المنبثق من ذهنية "التعيين"، الذي يتفشى بفضله سلوك اللامبالاة الذي لا يقلل من خطورته بعض المبادرات الاستثنائية التي تنطلق من هنا او هناك، بشكل عشوائي، يفقدها القدرة على الاستمرارية، ومن ثم إحداث التغيير التشريعي المطلوب. مثل هذا الضمور يفتك بقسوة بقدرات مجلس الشورى، ويحلل عضلاته بشكل تدريجي، لكنه ممنهج، فيحوله إلى مجرد غرفة تجميلية مكملة غير قادرة على الفعل، ومن ثم التأثير، مما يفقدها التمتع بالمقومات التي تتطلبها روح المبادرة، ويجردها من ممارسة حقها الطبيعي في التشريع.
  2. نسف الجسور الضرورية المطلوبة مع المواطن، صاحب الحق الطبيعي، في الاستفادة من نشاط مجلس الشورى، ومخرجات مقترحاته. يتطور هذا النسف تدريجيا، وبشكل سلبي، كي يقطع خيوط التواصل بين مجلس الشورى وذلك المواطن، الأمر الذي يقود إلى قطيعة، تشل حركة المجلس من جهة، وتحرم المواطن من مكاسب يمكن لـ"الشورى" تحقيقها لذلك المواطن من جهة ثانية.