تسيير مفاوضات السلام

 

د. محمد الشعشعي

أثارت الزيارة الأخيرة، التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسقط، ردودَ فعل خليجية وعربية ودولية، بين مؤيد ومعارض، وناقد وشاجب؛ فاشتغلتْ وسائل الإعلام الرسمية والخاصة ومنصات التواصل الاجتماعي هذه الأيام بالزيارة المفاجئة التي قامت بها نتنياهو إلى السلطنة، وعن سبب استقبال السلطان قابوس له. وفي ظل هذه الظروف العاصفة، صرَّحت عُمان عبر وزير الشؤون الخارجية معالي يوسف بن علوي عبدالله، بأنَّ عمان ليست وسيطًا في هذه المفاوضات، لكنها تحاول أن تقرِّب وجهات النظر بين الوسطاء من أجل تسيير مفاوضات السلام بين فلسطين وإسرائيل، وذلك بعد رُكود في عملية السلام منذ ثلاث سنوات، بعد إعلان صفقة القرن. وذكر معاليه وهو السياسي المخضرم أنَّ هذه الزيارة تأتي بعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمناقشة قضايا الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينة، وأن النتائج التي تمَّ التوصل إليها بعد الزيارة الأخيرة أفضل من ذي قبل فيما يتعلق بعملية السلام بين إسرائيل وفلسطين.

وذكر بن علوي أنَّ الجميع يُريد السلام، واستقبال السلطنة لنتنياهو لا يخضع للمزايدة، وأضاف أنَّ النشاط الإسرائيلي في غزة وغيرها من المناطق لن يتوقَّف إن لم نتمكَّن من حل الخلاف الإسرائيلي الفلسطيني. وفي هذا إشارة واضحة إلى أنَّ هناك نتائج إيجابية ستظهر قريبا.

هذه الكلمات المعبِّرة والموجَزة، التي صرح بها الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، من الأجدى بها أن تكون كافية لكل المحللين والمروّجين للشائعات والأكاذيب التي تستهدف النيل من صورة عُمان أولا وأخيرا، وإن كانت عُمان واضحة في تعاملها وسياستها الداخلية والخارجية وضوح الشمس في رائعة النهار؛ لأنها ليس لديها ما تُخفيه من تحفظات أو مصالح سوى خدمة الشعب الفلسطيني وإقامة دولته وعاصمتها القدس، وهذه المواقف ليست بمستغربة على جلالته -حفظه الله ورعاه- وموقفه ودعمه المتواصل للقضية الفلسطينية منذ خمسة عقود من الزمن.

الإعلام الخليجي والعربي الرسمي تقريبًا كان موقفه داعمًا لهذه الزيارة الأخيرة، وللدور العُماني في حل قضايا الشرق الأوسط، ولم تتلقَّ عُمان انتقادًا رسميًّا واضحًا، وهذا ما يُحسب إيجابا للدول العربية في تقديرها وثقتها للسياسة العمانية، ولحكمة جلالته السلطان، ومواقفه الثابتة والرزينة، التي تدرس المواضيع بتريث وعقلانية قبل أن تقدم على أي خُطوة تخطوها في هذا المجال. ومنها علي سبيل المثال: موقف عمان من مصر أثناء اتفاقية كامب ديفيد، ومن الحرب الإيرانية العراقية، والحرب الخليجية الإيرانية، ومن التعامل مع دولة قطر، فيدرك الجميع أن عمان دولة واضحة المعالم، تحاول أن لا تجعل لها خُصومًا في العالم، وهذا ما أكد عليه جلالته السلطان قابوس -حفظه الله ورعاه- حينما قال في بداية النهضة: أريد أن أنظر إلى خارطة العالم، ولا أجد دولة ليس لها سفارة في عُمان. من هنا، أدرك العالم أنَّ عُمان دولة سلام يجتمع فيها المختلفون للتفاوض، والوصول إلى رؤى ووجهات نطر مُتقاربة، تساعد في عمليه السلام، بعيدا عن لغة الحرب والعنف والقوة التي لا تقبلها السياسة العمانية.

هذا النهج واضح المعالم الذي سارت عليه السلطنة جعلتْ العالم يُدرك أنه ليست لعمان أجندة خاصة أو مصلحة مادية أو معنوية من هذا الاستقبال الرسمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإنما هذا هو الموقف العُماني الثابت من تدعيم مفاوضات السلام في الشرق الأوسط وحتى العالم أجمع؛ فمن ليس له خُصوم يحظى بقبول واحترام الجميع.

وإذا ما تطرَّقنا -على عجالة- إلى منصات التواصل الإعلامي، خلال هذه الأيام الماضية، فإنه لا يسعنا إلا أن نسجل كلمة شكر لأولئك الشرفاء من أبناء هذه الأرض الطاهرة، الذين يتصدون دائماً للحملات المغرضة والموجهة للسلطنة وقيادتها التي تسعى للتشكيك بين الشعب وقيادته، واقتناص مثل هذه الفرص أو الأزمات التي تعصف بالمنطقة من أجل إيصال رسائلهم الخبيثة إلى داخل عُمان، وإن كانت عمان بفكر سلطانها وبهمم مواطنيها لن يصلها بإْذن الله شيء مما يسعون إليه؛ فهولاء الأبطال الصامدون والساهرون ليلا ونهارا على منصات التواصل لإعلامي، من أجل الذَّود عن الوطن، والتصدي لما يسمُّونه بـ"الذباب الإلكتروني"، وفي الحقيقة جسد أبناء عُمان هذه الأيام لوحة مُشرقة في الردود، ودحض الحجج والبراهين لكلِّ من تسول له نفسه الإساءة لهذا الوطن العزيز، ونشيد هنا أيضا بالكثير من الإعلاميين والمغردين العرب الذين أعربوا عن ثقتهم في سياسة حكومتها الرشيدة.