الوطن الجريح في شعر الشاعر الفلسطيني نعيم عليّان


أمين دراوشة - فلسطين


يمتلك الشاعر نعيم عليّان خمسة مؤلفات نشرت بين أعوام 2014م- 2018، وهو من مدينة القدس.
في مقطوعاته يأخذنا الشاعر إلى عوالم مليئة بالهواجس والخوف، كما هي مليئة بالحب والأمل، والإيمان بغد أجمل وأحلى. مزيج من مشاعر وصور رسمها الشاعر بلغة شاعرية بسيطة وسلسة. كما تزخر أشعاره بالفزع والقلق، لأسباب عدة أهمها المعضلات التي لا تحصى ولا تنتهي التي يواجهها الوطن مما يجعله عاجزا عن ركوب غيمة الحرية. والديوان يتضمن بعض الرموز، والرمز هو قلب الشعر، الذي يخفق باللذة والمتعة. فالشعر ليس إلا طريق الشاعر إلى الهدوء النفسي، ومحاولة التوافق مع نفسه عبر الحلم بما هو قادم. فالواقع المعاش في مجتمعنا لا يطاق لذا يرى الشاعر ضرورة تغييره جذريا.
يمتلئ الديوان بالحديث عن الوطن وعشقه الخالد، وعثراته وسعي العتمة للسيطرة على روحه، والحرب التي لا تنتهي بين النور والظلام. وللشاعر حس مرهف، ويعبر بكلماته الرقيقة عن ارتباطه الذي لا فكاك منه مع الوطن، ليصبح روحه أزهاره، وليكمل كل منهما الآخر.تنوعت أساليب القصائد غير أن الحبل الذي يشد كل خصلات شعرها هو الذات النقية الطاهرة التي تحوز من القوة والشدة ما يجعلها تقارع كل ما يجري في الوطن من ويلات. وقد أجاد الشاعر بتصوير الأرض والالتصاق بها، وصور العلاقات التي تربط الإنسان بأرضه وصباه وناسه، وما تحويه الطبيعة من سهول ووديان وأنهار وأزهار وطيور وحشرات. واستطاع الشاعر أن يجعل الوطن حيا نابضا، فنراه في قصائده يناجيه ويلثمه ويعاتبه، وهو يمارس غوايته باقتدار.  فالوطن يعاني من أمراض لا يمكن حصرها، أثرت على كل شيء جميل فيه وحتى الطفولة يشوبها الألم والوجع والضياع والشحوب، يقول في قصيدة "مسرحُ الدُّمى":
"....
آهٍ يا بلداً
غفل النَّاطورُ عنها،
وعلى جنباتها افترش ابنُ آوى
بساطه وعوى...". (نعيم عليّان. شواطئ اللّظى. 2018م. ص 34)
فالوطن يذوق الويل إمّا بسبب الفساد والطمع وأما بفعل الاحتلال، الذي يقتل ويشرد البشر، ويقضي على أحلامهم، ويعمل على تفتيت هويتهم وجعلهم بلا حول أو قوة في المنافي البعيدة، يقول في قصيدة" شواطئ اللّظى""
" ...
كحلمي سافر بلا سرجٍ
على
صهوة جوادٍ!
مبعثرٌ يا وطني
في ذاكرة الرَّحيل
على
سواحل المنفى..." (المصدر السابق. ص 58) إلا أن حب الوطن الذي يولد ولا يموت في قلب الشاعر، يجعله يضحي بكل ما يملك من أجله، ففي النهاية لا بد من انتصار الحق، وولادة شمس الأمل، يقول في قصيدة "البتول":
"يولد طفل
في يده ناقوس
وقلم
ومفتاح
من الإصرار". (المصدر السابق. ص 96-97)
إن قلب الشاعر يحترق لرؤية الوطن يرزح تحت نير الاحتلال والجهل والمرض والفقر والموت، والتفسخ والاغتراب، حيث يقول في قصيدة "اعذريني":
"اعذريني..
قتلني الهجر والحنين،
وذبول الياسمين في حديقتي،
ونحيب الزَّعتر عند هضاب أرضي،
ودموع المسافرين تنهمر
على حدّ اللَّيالي والسّنين" (نعيم عليّان. نقش الريح. 2016م. ص 17)
ويستمر في الحديث عن مصاعب الوطن وأهواله، يقول:
"اعذريني...
إذا ما صرت شاهدا
على عقم السَّنابل في الحقول.
اعذريني...
هذا اغتيال الزَّيتون،
وموت النٌّسور،
يذبحني كثيرا كلَّ يومٍ،
إلا أنّي لا ألين". (المصدر السابق. ص 18)
فهو رجل صلب ولا ينكسر رغم ما بعانيه من حزن على ترَدّي أوضاع الوطن الجريح.
وترجع الابتسامة على الشفاه، والإيمان بقدرة الوطن على الصعود، يقول في قصيدة "الخيط المسافر":
"يرسم الطّفل بقلمه
بساطا من ريحٍ،
وأجنحة من ريش حمامٍ
على الحائط الأسير،
ويصنع جرسا من الصَّمنت المخنوق،
ومن الزَّفير
كرات من الغضب
ليرجم الحصار
فيبدأ انبلاجه المصِير". (المصدر السابق. ص 30-31)
إن مقاومة الاحتلال، والاستشهاد في سبيل القدس لهو غاية الشرفاء، والقدس وفلسطين كلها ولا شك تستحق منا التضحية والوفاء.
 
وفي النهاية يعبر الشاعر عن العلاقة التي تربطه بالوطن، والتي لا فكاك منها، فهو لا يكون إلا إذا كان الوطن هو الشمس التي تبزغ فيه أشعاره، إن إيمان الشاعر رغم الأمواج الصاخبة، والرياح العاتية لا يتزعزع، إيمان ويقين أن الوطن كل الوطن سينهض من كبوته، ويسير إلى الغد باقتدار، وسيصنع مجده الآتي.
إن الشعر الحقيقي كما يقول أمل دنقل، هو الذي تحسه وتشعر به "عن طريق الوجدان أولا وليس عن طريق العقل. الشعر فن وصناعة في الوقت نفسه، واكتمال الصناعة لا يعني أن الإنسان صار شاعرا، وكذلك الشاعر الموهوب، فبدون أن تستقيم له أدواته، أدوات الصناعة، يصبح شاعرا غير مبين، لا يملك الإفصاح الكامل عن نفسه. فالقصيدة هي التي تكشف نفسها". (جهاد فاضل. قضايا الشعر الحديث. بيروت: دار الشروق. دون تاريخ. ص 357.)
الشاعر يمتلك الإحساس الصادق الذي يفيض بالعاطفة، وإن كان من كلمة أقولها له، فإن عليه إغناء تجربته الشعرية من خلال الغوص في القراءة النهمة لكنوز الشعر العربي والعالمي.
  يقول الشاعر عبد الكريم من ثابت: "إن مهمة الفن هي أن يخلق أشياء ويصور لك أشياء تنبض بالحياة وتؤثر أعمق تأثير في إحساسك وشعورك وفي ذهنيتك وعقليتك. ومهمة الفنان أن يرفعك معه إلى القمة التي يحلق فيها ويستمد منها أضواءه وأصباغه، ويقتبس من المثل الأعلى". (يوسف ناوري. الشعر الحديث في المغرب العربي، الجزء الأول. الدار البيضاء: منشورات دار توبقال للنشر. ط1. 2006م. ص 245).
فالخيال الشعري يسمو بالحياة، ولم يعد مجرد محاكاة، بل سبيل إلى جوهر الوجدان، وتحرير عواطفه.
ويضيف عبد الكريم بن ثابت أن البشر لا يقدرون على العيش دون حرية، وإن حصل وفقدوها فإنهم يبقون في صراع مع الذات والآخر حتى استرجاعها.
فالتاريخ علمنا: "أن الإنسان وجد ليحيا وأن حياته متوقفة على حريته، ولذلك كافح من أجل حريته الطبيعة فانتصر عليها وها هو يكافح ضد سيطرة أخيه الإنسان عليه وقد انتصر في كثير من المعارك ولا بد في النهاية من الانتصار الكلي فيفوز بحريته وتلك علامة حياته ووجوده". (المرجع السابق. ص 246). ولا ريب إن عالم الشعر، هو ساحة معارك لا تتوقف لذا على الشاعر إذا أراد أن يستمر في كتابة الشعر، أن يخوض معاركه التي لا تنتهي.

 

تعليق عبر الفيس بوك