المرأة البحرينية وانتخابات الغرفة التشريعية المقبلة

 

عبيدلي العبيدلي

من حضر ندوة "قراءة كتاب الحداثة الممتنعة في الخليج العربي" لمؤلفه د. باقر سلمان النَّجار، التي كانت المتحدثة فيها د. منى عباس، وأدارت الندوة د. فاطمة الجاسم، وكان من بين الحاضرين أيضًا د. باقر النجار شخصيًا، لا يُمكن أن تفوته بعض الأفكار اللمَّاحة التي فرضتها أجواء تلك الأمسية الثقافية، التي حصرت عباس مراجعتها للكتاب في بابه الثالث الموسوم " المرأة والمجتمع".

رغم أنَّ مادة الكتاب، الذي سنحت لي فرصة قراءته بتمعن، غنية، والمُراجعة (بكسر الجيم) معروفة بمُعالجتها الرصينة في المواد التي تتناولها، ومديرة الندوة لها إسهاماتها في حقل الإبداع والابتكار. لكن أياً من هذه المحفزات الثلاث لم تستطع أن تستقطب العدد المنطقي الذي يستحقه هذا اللقاء الثقافي الثري في مادته. حتى المداخلات، باستثناء عدد قليل منها يُعد على أصابع اليد الواحدة، لم تستطع أن تغوص عميقاً في المادة قيد المراجعة، ولا حتى في الإضاءات المهمة التي توقفت عندها عباس.

أول ما يطوف بخاطر الحاضر في تلك الأمسية الثقافية، وهو يرى مصيرها، هو قدر النشاط الثقافي في البحرين، الذي رغم مساعي وزارة الثقافة الحثيثة، لكن تبقى النسخة المحلية منه باهتة. يدلل على ذلك نسبة الحضور، وطبيعة المُناقشات ومستواها. الأمر الذي يدعو إلى عملية أنقاذ حقيقية تغوص في أعماقه، وتخلص أحشاءه مما علق بها من "مُعيقات"، وأدت الحراك الثقافي البحريني. تكفي الإشارة هنا إلى واقع "أسرة الكتاب والأدباء"، التي كانت في السبعينات شعلة حملها رواد الحركة الثقافية البحرينية التي يصعب سرد أسمائهم لطول قائمة من ينتمون لها.

ثاني خاطرة تفرض نفسها على المُراقب الحاضر في لقاء تلك الليلة، هو تاريخ "جمعية أوال النسائية"، التي تأسست في مطلع العقد السابع من القرن الماضي، وشكلت حينها نقلة نوعية في مسيرة منظمات المجتمع البحريني عموماً، والشق النسائي منه على وجه التحديد. واستطاعت الجمعية، رغم الصعاب التي واجهتها أو العقبات التي وضعت عنوة في طريقها، أن تحتل موقعًا متميزًا في خارطة العمل النسائي البحريني، الذي نجحت في مراحل لاحقة لقله إلى محيطه الخليجي الطبيعي.

ثالث صورة تزج بنفسها في إطار حركة تخيلات ذلك المُراقب هو مصير المرأة البحرينية في العملية الانتخابية للسلطة التشريعية التي باتت معاركها تدق الأبواب حاملة معها الكثير من التكهنات العامة، والتحديات الخاصة، التي من الطبيعي أن تواجه المرأة البحرينية، التي تطمح أن تكون من المترشحات، وتأمل أن تكون بين قائمة الفائزات. وهذه النقطة هي الأهم من بين الخواطر الثلاث التي نفسها وبقوة.

وتحاشياً للخوض في قضايا ثانوية، حيث لم تعد المسافة التي تفصلنا عن تلك الانتخابات طويلة، سنحصر المُعالجة في التحديات التي سوف تواجهها المرأة البحرينية المترشحة لانتخابات 2018 النيابية، وسوف نصنفها وفق فئتين رئيستين: ذاتية، وموضوعية.

وعلى المستوى الذاتي، يمكن رصد التحديات الأهم بينها في النقاط التالية:

تقوقعت المرأة البحرينية في الفقاعة المظلمة من الموروث الحضاري، وقبلت، أو رضخت لضغوطات خارجية من داخل القوى المجتمعية، أن تغادر مقاعد العمل المجتمعي القيادية التي تبوأتها منذ الخمسينات من القرن الماضي، كي تقبع في مقاعد السير في ركاب قوى ظلامية لا تمت لحضارتنا الإسلامية العربية بشيء. طغى الرضوخ الذاتي على سلوك المرأة البحرينية في نطاق نشاطها المجتمعي، مما أدى إلى غيابها عن مسرح العمل السياسي، فوجدت نفسها في مؤخرة الركب بدلاً من أن تسير في مُقدمته. أدى ذلك إلى تجريدها من حق انتزعته عبر نضالات قدمت المرأة البحرينية، أسوة برفيق دربها الرجل، من خلالها الكثير من التضحيات، من أجل بناء مجتمع مدني متحضر، تمارس فيه مؤسساته النوعية دورها في رفد العمل السياسي، وتزويده بالموارد البشرية الريادية التي لا يستطيع أن يستغني عنها. أقامت المرأة البحرينية، وفي مراحل معينة، بقرار ذاتي، عززته القوى الموضوعية، جدار صين عظيم جردها من الحقوق التي تمتعت بها، والمكاسب التي انتزعتها في الخمسين سنة الأخيرة من القرن الماضي من تاريخ البحرين المعاصر.

خضوعها الذاتي لخيبات الأمل، بما فيها العرضية، التي تجرعتها الحركة المدنية / السياسية البحرينية، وقبولها بالهزائم المتكررة المتلاحقة التي عانت منها تلك الحركة، وكان وقعها على مسيرة الحركة النسائية البحرينية أشد من تلك التي تعرضت لها تلك الحركة في مجملها. وسيطرت نزعة من اليأس لم تحاول المرأة البحرينية، بشكل جدي التمرد عليها، ورفض الانصياع لتداعياتها، الأمر الذي كانت محصلته تشجيع السلوك الأناني للرجل البحريني الذي وجد في الفراغ الذي تركه الانسحاب النسائي فرصته لنيل مكاسب لم يكن في وسعه الحصول عليها.

أما على المستوى الموضوعي، فيمكن تشخيص الأهم بين تلك التحديات في النقاط التالية:

سيادة الفكر الذكوري المتأصل، وخاصة في أعقاب انتصار انقلاب الخميني في نهاية السبعينات، الذي نجح في الإطاحة بحكم الشاه، لكنه روج لمنظومة من الأفكار التي انبهرت بها الحركة المدنية البحرينية، وتبنت، مرغمة أو بطيب خاطر، لبها الأساسي. وكانت محصلة ذلك طوفانا فكريا انتزع من المرأة الكثير من المكاسب التي لم تكن تتوافق والمنظومة التي سادت حينها. الأسوأ من ذلك أن ردة الفعل على تلك المنظومة، جاءت على نحو أردأ منها. كانت المحصلة النهائية لذلك الصراع الظلامي، البعيد كل البعد عن جوهر الحضارة العربية الإسلامية، ضربية مجتمعية أدت إلى تُراجع الحركة المدنية البحرينية خطوات واسعة ومتكررة نحو الوراء، ودفعت المرأة ثمناً باهظاً للسلبيات التي أفرزتها سيادة أفكار ذلك الصراع على مظلة العمل المدني البحريني.

غياب البرنامج الوطني، غير الطائفي، الذي كان بوسعه احتضان الحركة المدنية البحرينية، والارتقاء بأدائها على محاور عدة متوازية، تكون محصلتها رافعة تاريخية تنتشل تلك الحركة، بما فيها الحركة السياسية، وفي ثناياها الحركة النسوية، من أزماتها المتلاحقة التي سيطرت عليها، وخاصة منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، الذهنية التقسيمية للمُجتمع.

أمام المرأة البحرينية مثل هذه التحديات، التي بطبيعتها تولد فرصها الذاتية التي تخرج من رحمها. والمرأة البحرينية أمام خيار صعب ومعقد، ومتعدد الأبعاد، لكنها إن أحسنت اتخاذ قرارها، فمما لا شك فيه أنها ستنجح في اتخاذ القرار المناسب، الذي بوسعه أن يجعل منها علمًا من أعلام المعركة الانتخابية المقبلة.