الأمن الإستراتيجي الوطني

 

حميد بن مسلم السعيدي

يعيش العالم اليوم مرحلة من التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية الأمنية والعسكرية، خاصة في منطقة الخليج العربي التي تشهد حاليًا تُغيرات سياسية مؤثرة بقوة على الأمن الإستراتيجي الوطني، نتيجة لتحكم قوى عالمية تسعى إلى تحقيق التبعية ومُحاربة التكتلات السياسية والاقتصادية التي تُحقق الوحدة، وفقًا لمصالحها الاقتصادية والسياسية، حيث ينتقل الصراع والتنافس إلى هذه المنطقة نظراً لأهميتها على الخريطة العالمية وتوفر النفط كسلعة أصبحت مؤثرة في القرار السياسي، فالمشهد القائم في قراءة الظروف المحيطة بالمنطقة يؤكد ضرورة الاهتمام بالأمن القومي وبناء الدولة القوية القادرة على إدارة ذاتها وتوفير احتياجاتها وفقًا لمتطلبات الفترة الحالية.

مما يُشكل مطلباً أساسيًا لبناء الأمن الإستراتيجي الوطني وتقويته بما يُساعد على مواجهة التحديات الخارجية والداخلية، فلا يُمكن اليوم الرهان على الأمن الوطني إلا من خلال تقوية الجبهة الداخلية والاعتماد على المواطن في القيام بالواجب الوطني، مما يتطلب العودة إلى بناء الخطط الإستراتيجية التي تحقق الأمن الداخلي وهذا التخطيط الذي يؤكد عليه الكثير من الباحثين من خلال الاعتماد على مجموعة من المقومات الرئيسة حيث يرى الهزايمة أنَّ هذه المقومات "أولها: تأمين كيان الدولة، وثانيها: تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وثالثها: تحقيق الرضا التام للأفراد، وهو ما يتطلب من الدولة تقديم صلاحيات قانونية وإجرائية ضرورية لفاعلية الجهات المسؤولة عن صناعة القرارات ورسم السياسات التي تحقق الأمن برؤية إستراتيجية شاملة".

الأمر الذي يقودنا للعودة إلى المؤسسات وكيفية القيام بدورها الوطني، سواء كانت المؤسسات الأمنية أو الخدمية أو اللوجستية، فالعمل الوطني هو عمل تكاملي يسعى إلى بناء كيان للدولة قادر على مواجهة التحديات والأخطار الخارجية، فتقوية الانتماء الوطني وتحقيق الولاء لدى المواطنين بما يُساعد على تحقيق المواطنة الفاعلة لديهم، هي مسؤولية ينبغي تحقيقها من خلال قيام جميع المؤسسات بواجبها وفقاً للأطر التي تقوم عليها، بالاعتماد على بناء الأمانة الوطنية ومحاربة الفساد والخيانة، وهذه الأخطار لا يُمكن تحقيقها إلا إذا حققنا الرضا الوطني للمُواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في المؤسسات من خلال تطبيق الأنظمة والقوانين وفقًا لما أنشئت من أجله، الأمر الذي يدفع المواطن للتماسك الوطني، ويُحارب أي تدخل خارجي قد يقوض تلك الوحدة الوطنية.

فالأخطار التي تمر بها المنطقة في الوقت الحاضر لا يُمكن الإيمان بها أو توقعها، خاصة وأنّ أهم خطر قد يحدث اليوم هو تقويض الوحدة الوطنية، وهي منهجية تتبعها بعض الدول في رغبتها في مُواجهة القوة الداخلية من أجل زعزعة الأمن الداخلي، وهو أخطر تحدٍ يُمكن أن تواجهه الدولة في تحقيقها للأمن الإستراتيجي، وهذه المنهجية تسعى بالاعتماد على نظرية الفوضى والتي تقوم على إحداث إشكاليات متعددة تفقد ثقة المواطن بالدولة، من خلال إضعاف المؤسسات في القيام بواجبها، إلى جانب العمل على المساس بالمؤسسات الأمنية واختراقها، وهذه أخطر التدخلات في الشؤون الداخلية للدول، الأمر الذي ينبغي على الدول أن تنتبه إليه في العمل الوطني، من خلال الاعتماد على بناء المواطنة الحقيقية لدى المواطنين وتقوية الروابط الوطنية وتحقيق الانتماء والولاء الوطني، وتقوية الأمن الإستراتيجي، والمعني بقيام كافة القطاعات الأمنية والعسكرية بواجبها الوطني وتحقيق التنمية البشرية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وتحقيق الأمن الغذائي الذاتي، والاعتماد على الموارد الوطنية واستغلالها بصورة إيجابية بعيدة عن كافة الإشكاليات التي تتعلق باستغلالها خارج نطاق المصلحة الوطنية، وتحقيق العدالة الاجتماعية مما يستشعر المواطن بثقته بالمؤسسات في القيام بدورها، وتحقيق هذه الثقة تدعم الوحدة الوطنية والروابط بين المواطن والدولة، وتحارب التدخلات الخارجية وأي اختراقات في الصف الوطني.

"إن العالم إذ يشهد في هذه الحقبة أحداثاً ومتغيرات معقدة ومتشابكة فإنّ ذلك يلقي علينا مسؤولية أكبر نحو بناء وتطوير قدراتنا الذاتية بما يمكننا دائمًا من تحقيق أهدافنا في التنمية والحفاظ على أمن بلادنا واستقرارها.. وإن كل مواطن مطالب بأن يلعب دوره نحو هذه الغاية بنفس العزيمة التي كافحنا بها خلال السنوات الماضية من أجل تقدم هذا الوطن وازدهاره" قابوس بن سعيد 1981م، ومن هذا المنطلق يأتي تمرين الشموخ 2 والسيف السريع 3 تأكيدا على أهمية بناء القوة العسكرية وقياس مدى استعدادها للقيام بواجبها في حماية الوطن والدفاع عن مكتسباته الوطنية، لذا يُمثل هذا التمرين أهمية كبيرة في الوقت الحاضر، ورسالة لكل مواطن بأن ثقتنا في قواتنا المسلحة كبيرة، وأن هذا الواجب الوطني ينبغي أن يتمثل في كل مواطن عماني في القيام بدوره من خلال الأمانة والإخلاص في العمل الوطني والعمل على رفعة مكانة هذا الوطن، فكلنا نمثل كيانا واحدا لدولة عظيمة قائمة على الوحدة الوطنية، لذا جاء التوجيه السامي لكل مواطن "على كل مواطن أن يكون حارسًا أميناً على مكتسبات الوطن ومنجزاته التي لم تتحقق كما نعلم جميعًا إلا بدماء الشهداء، وجهد العاملين الأوفياء، وألا يسمح للأفكار الدخيلة التي تتستر تحت شعارات براقة عديدة، أن تهدد أمن بلده واستقراره، وأن يحذر ويحذر من هذه الأفكار التي تهدف إلى زعزعة كيان الأمة، وأن يتمسك بمبادئ دينه الحنيف وشريعته السمحة التي تحثه على الالتزام بروح التسامح والألفة والمحبة."

Hm.alsaidi2@gmail.com