خلفان الطوقي
لماذا يركز معظم الكتاب والمحللين في كتاباتهم وتحليلاتهم على المسؤول أكثر من المُوظف؟ ولماذا يكون هو موضع اهتمام أكثر من غيره؟ وهل هناك مسؤول حكومي مميز ومسؤول غير مميز؟ ولماذا نُسمي أحدهم بالمميز؟ وما أهمية المسؤول الحكومي المُميز للبلد وسمعتها وإنتاجيتها؟ في هذه المقالة أحاول أن أجيب على هذه الأسئلة.
ما زال هناك بعض المسؤولين إلى يومنا هذا يتوقعون أنَّ مُهمتهم الأساسية هي أن يذهب إلى مكان عمله ويقضي عدداً من الساعات هناك ويعود إلى منزله دون إحداث تغيير يذكر، أو إضافة شيء يُلاحظ من المتعاملين مع الجهة التي يُمثلها، ومُحاولة الاحتفاظ بكرسي الوظيفة لأطول أمد ممكن، وإرضاء رئيسه المباشر، وعدم اقتراح عمل أو إجراء جديد لكي لا يُخطئ ويُلقى اللوم عليه مما يُهدد وظيفته أو يُقلل من فرص الترقي، ويؤمن بأنَّ هذه "القواعد" هي الذكاء في تحقيق تطوره الوظيفي والصعود إلى مراتب أعلى.
وللدخول في موضوع المسؤول الحكومي "المُميز" لابد أن تكون هناك معايير للتمييز بين المسؤول "المميز" والمسؤول "التقليدي" من خلالها يُمكن الاستناد إلى هذه المعايير والقياس عليها بناءً على نوعية الجهة الحكومية التي يُمثلها، لكن تبقى هناك عناصر مشتركة بغض النظر عن نوعية العمل سواء كان إداريا أو فنيا أو رقابيا أو تشريعيا كالمبادرة واقتناص الفرص والإيمان بالعمل الجماعي والاستفادة من الموارد البشرية المتوفرة في جهته، وتسخير الظروف لصالح الجهة الحكومية التي يُمثلها، والالتزام بالوصول إلى الرؤية المُشتركة وتنفيذ الإجراءات المُتفق عليها وتطبيق الخُطط المرسومة وتقييم ما هو مرسوم وما تمَّ تنفيذه والمرونة كلما دعت الظروف لذلك، وتجديد بيئة العمل من حيث المنظر والجوهر وبما يتوافق مع مُتغيرات الحياة بأقل إمكانيات مادية ممكنة من خلال حسن إدارة المال العام، المترفع على صغائر الأمور وشخصنة المواضيع والتركيز على الإنتاجية وتحقيق نتائج غير مسبوقة سنة بعد سنة.
في بدايات عصر النَّهضة المُباركة لمولانا السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه وأمده بالصحة والعافية - كانت هناك تحديات حقيقية لإيجاد العناصر البشرية من خلال نظرية العرض (قلة الموارد البشرية المتخصصة) والطلب لبناء عُمان الحديثة، حيث قلَّت التحديات بهذه الجزئية في الثمانيات والتسعينات، وتغيرت النظرية الاقتصادية في بدايات القرن الحالي، حيث زاد العرض (زيادة مضطردة في الموارد البشرية المتخصصة) على الطلب عليهم، وبالرغم من ذلك، فرجالات السبيعينات واصلوا العمل ليل نهار لبناء دولة المؤسسات إلى حد كبير، فتحدي فترة السبعينات كان يكمن في بناء الدولة الحديثة، لكن طبيعة الحياة لا تخلو من تحديات، فتحدي هذا القرن هو المُحافظة على هذا البناء وتطوير المُكتسبات السابقة ومنافسة المعايير الدولية في كل قطاعات التنمية المُختلفة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وتكنولوجيا أو ما يختصر باللغة الإنجليزية بمصطلح (PEST).
ولأنَّ كل دولة في تحدٍ مع الزمن للمنافسة والفوز بأفضل المعايير على مستوى العالم من خلال التقارير المحايدة وغير المُسيسة، فكان لابد من تواجد المسؤول الحكومي المُميز في الميدان الذي يستطيع فهم لغة العصر ويتميز باللياقة والرشاقة والإمكانيات الفكرية والنفسية، كي يتمكن من إكمال السباق وتحقيق أرقام قياسية تعود بالنفع له ولفريقه التنفيذي وجهته التي يمثلها وبلده، ذلك لا ينطبق على الرياضة فقط، وإنما ينطبق على الأداء الحكومي، فالعبرة هذه الأيام لا تكمن في التصريحات الإعلامية، وإنما تكمن في الإنجازات الملموسة التي يحسها ويعيشها المجتمع يومًا بيوم.
ولأنَّ حكمة ورؤية مولانا السلطان قابوس الفذ -أعز الله مجده- تسعى لأن تكون في مُقدمة الركب ومحققة لأفضل الأرقام القياسية في المُحيط العالمي، لذلك حان الوقت لوضع معايير يُمكن قياسها وتقييمها للمسؤول الحكومي يُمكن من خلالها التَّعرف على المسؤول الحكومي "المميز" الذي يؤمن بالإنجازات التي تتحدث عن نفسها، وبين المسؤول التقليدي الذي يتقن لغة الدفاع واختلاق الأعذار وإيجاد المُبررات ليستمر الوضع رتيباً ومملاً وبطيئاً وروتينيا ويؤمن بأنَّ ما هو موجود أفضل ما يمكن القيام به، وما على الحكومة في هذه المرحلة الحالية الحساسة والحرجة إلا أن تختار للحاضر والمستقبل مسؤولا حكوميا يستحق لقب "المميز" أو مسؤولا تقليديا، فإما أن نكون في الميدان ومع ركب المنافسة والتحدي أو خارج السباق الدولي، فكل قرار له نتائجه وعواقبه بما يخدم ويطور عمان أو يُعيق تقدمها عن ما هو مأمول.