حميد السعيدي
المواطنة مفهوم خضع للكثير من التحليل والدراسة وأصبحت له مبادئه ومضامينه ولم يعد يخضع للعواطف، وتركز المواطنة على عدة أبعاد يأتي في مقدمتها البعد القانوني؛ وهو حصول الفرد على الجنسيّة وهذا يمثل اعترافاً بمواطنيته وانتمائه للوطن، ثم تأتي بقية الأبعاد كالبعد الوجداني والذي يتعلق بالانتماء للوطن والولاء لجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- ثم يأتي البعد المهاري أو السلوكي وما يتعلق بالواجبات التي يفترض أن يؤديها المواطن تجاه وطنه.
والمواطنة تقوم على ركنين أساسيين؛ هما الحقوق والواجبات وهما يشكلان العنصر الأساسي، فالوطن يقدم للمواطن مجموعة من الحقوق كالسياسية والاجتماعية المدنية والقانونية كحق التعليم والصحة والرعاية والمشاركة والإسكان والأمن والقضاء وغيرها من الحقوق الأخرى، وبناء عليها يتوجب على المواطن القيام بمجموعة من الواجبات سواء كانت إلزامية أو تطوعية، بما يشكل علاقة توافقية بين الوطن والمواطن، لذا فإنّ خيرات هذا الوطن تُجسد للمواطن العماني بحيث لا ينافسه من غير العمانيين عليها.
وكل دولة تقدم لمواطنيها مجموعة من الحقوق وفقا للقوانين التي تقوم بها تلك الدولة، ومن خلالها تنظم العلاقة بينها وبين مواطنيها، ولا يمكن لمن لا يمتلك الجنسية أن يحصل على حقوق تتساوى مع المواطن، ولكنه يحصل على حقوقه وفقا للقوانين المنظمة للمقيمين على أرض هذا الوطن، ويعامل وفقا للقانون كوافد أو أجنبي أو خليجي أو عربي، وهذه الأنظمة تعمل بها كل الدول في العالم ولا تختلف دولة عن أخرى إلا في نوع الحقوق التي تريد أن تقدمها لغير المواطنين. ولكن اليوم في ظل الكثير من التغيرات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم بشكل العام ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص، حان الوقت لمراجعة وتطوير بعض هذه القوانين والأنظمة المتعلقة بالتعامل مع غير المواطنين، خاصة في ظل ارتفاع الكثافة السكانية في المدن الرئيسة في المحافظات، نتيجة لتوفر الخدمات ورغبة المواطن للانتقال إلى هذه المدن من الريف إلى الحضر مما أسهم في الضغط على الخدمات وخاصة في ما يتعلق بالخدمات الإسكانية، ولكن في بعض المدن الحدودية ظهرت منافسة على هذه الخدمات وخاصة تلك المتعلقة بقطاع الإسكان، والتي يمتلك فيها أفراد غير عمانيين أراضي كبيرة غير مستغلة ولا يرغب هو بالاستفادة منها، كونه حصل على حقوقه في الدولة التي ينتمي إليها، في حين أنّ المواطن غير قادر على بناء مسكن له و لا يستطيع شراء هذه الأراضي لارتفاع أسعارها وعدم رغبة ملاكها لبيعها، الأمر الذي يتطلب معه العودة إلى قانون التمليك لغير العمانيين فيما يتعلق بالأراضي السكنية في هذه المدن.
حيث إنّ المصلحة الوطنية أهم من أي جانب آخر، فالراحلون عن هذا الوطن حصلوا على جنسيات أخرى فهم ينتمون لوطن آخر يوفر لهم حقوقهم ولا يحق لهم التنافس على حقوق المواطن العماني، فهم لا ينتمون إلى هذا الوطن، ولا يرتبطون به بأي جانب من جوانب المواطنة، فقد قبضوا الثمن مقابل التنازل عن وطنهم الأصلي، وأصبح انتماؤهم لوطن آخر وسلطة أخرى، لذا لا يمكن أن تكون لهم حقوق تتساوى مع حقوق المواطن العماني، فهم ينتمون لدولة أخرى وفرت لهم احتياجاتهم وحقوقهم.
الأمر الذي يتطلب العودة إلى قراءة قانون منح الأراضي والذي يحق للمواطن بناء عليه أن يحصل على منحة أرض سكنية أو تجارية أو صناعية وفقا للشروط المتعلقة بذلك الحق، في حين أنّ غير العمانيين من مواطني دول الخليج العربي يتاح لهم التملك للعقار بغرض السكن أو الاستثمار وفقا للقانون، سواء بالشراء خارج نطاق المدن الحدودية أو الميراث أو الوصية، وقد جاءت هذه التشريعات وفقا لمجموعة من القوانين والأنظمة التي تتعلق بهذا الأمر.
لكن لمن يحصل على منحة أرض سكنية بحكم أنّه مواطن عماني، ولكنه بعد فترة من الزمن يتنازل عن جنسية هذا الوطن ويرحل لوطن آخر، فقد انفصل عن هذا الوطن ولم تعد هناك روابط تتعلق بالمواطنة تمثله، لذا لا يحق له الحصول أو التمسّك بحقوق خُصصت للعمانيين دون غيرهم، مما يتطلب إرجاع تلك الحقوق وإعطاءها المواطنين الأوفياء الذي عاهدوا الله والوطن والسلطان على التضحية من أجل تراب هذا الوطن والعمل على رفعة مكانته بين الأمم، انطلاقا من النهج السامي الذي زرعه جلالة السلطان قابوس في أبناء شعبه الأوفياء الذين يشكلون لحمة وطنية في كافة الظروف وكانوا سنداً لهذا الوطن في جميع مراحل تكونه، من أجل بناء حاضره ومستقبله، بما يمكنه من تربع قائمة الدول المتقدمة والمتحضرة، مصداقا لقول جلالته "إن عزائمكم القوية واندفاعتكم الأصيلة للنهوض ببلادكم هي الحافز المحرك لمسيرتنا المباركة"، وهذا لن يتحقق إلا بجهود المواطنين ورغبة في تحقيق الإنجازات العظيمة" لذا فهؤلاء هم الأحق بالحقوق التي تُمنح لهم دون غيرهم، فكما قال جلالته "المواطن العماني هو المقصود بحق العيش الكريم على تراب أرضه رافع الرأس موفور الكرامة في ظل العدالة الاجتماعية المُنبثقة من التعاليم الإسلامية السمحاء".