التحالفات السياسية في ميزان الأزمة السورية

جمال الكندي

 

كشفت الأزمة السورية، من خلال سنواتها السبع، أنَّ هنالك تحالفات حقيقية، وإستراتيجية رُبطت بخيوط متماسكة ذات أبعاد تاريخية وفكرية غير آنية المصلحة، هذه التحالفات حمت الجسم السياسي والاقتصادي والبنيوي للنظام السوري، فمكَّنته من عبور هذه الأزمة، وساعدته في الحفاظ على مبادئه السياسية والفكرية، وهذا طبعاً بفَضْل سَوَاعد الجيش العربي السوري، ووقوف حلفاء سوريا الحقيقيين الذين تربطهم تحالفات حقيقية مع الدولة السورية.

في الجانب الآخر، أظهرتْ هذه الأزمة وجود تحالفات كرتونية، مزاجها السياسي مُتقلب، تحكمها إستراتيجيات قصيرة المدى، وفيها المصلحة متغيرةُ حسب الوضع الميداني، والذي بدوره ينعكس سلباً أو إيجاباً على الخطاب السياسي، وهو الذي رأيناه في معركة حلب وما آلت إليه، فقد غيرت قليلا من الاندفاع التركي في دعم المسلحين، وأوجدت منصة أستانة التي ترجمت بمناطق تخفيف التصعيد فكانت البوابة لرجوع آلاف المسلحين إلى حُضن الدولة السورية.

الأكراد والأتراك نمُوذجان حيَّان لهذه التحالفات، فهم يدورون في الفلك الأمريكي الذي له رأي مخالف تماماً للروسي والإيراني في الأزمة السورية.

فالأمريكي يحاول تغيير النظام السوري بأي طريقة: عبر نسج تحالفاته مع الكردي، والتركي والخليجي، هذه التحالفات تختلف من دولة إلى أخرى، فكل دولة لها أدوارها التدميرية في سوريا، وتبقى القاعدة الأساسية هي في تغيير الفكر السياسي السوري المعادي لإسرائيل والحاضن لقوى المقاومة في المنطقة، إلى فكر تصالحي مع العدو الصهيوني ولو على حساب الوطن.

من هنا، نَسَجَت التحالفات السياسية والعسكرية بين المحرك الأمريكي والأتراك والأكراد مع بعض الدول العربية التي تأمرها أمريكا وتنفذ لكسر بنية النظام السوري وتغيره من الداخل.

ولكن اليوم، وبعد سبع سنوات من عمر هذه الأزمة، فإنَّ تغيُّراً جذريًّا في الجغرافية السورية قد حدث، عما كان عليه في العام 2013؛ حيث تظهر سيطرة الدولة على مساحات واسعة من أراضيها، هذا يدلنا على نجاح التحالف السوري الروسي-الإيراني ومعه حزب الله، فهذا التحالف الإستراتيجي أنقذ البلد من الوقوع في دائرة التقسيم الذي كان يتمناه العدو الصهيوني.

تركيا تعاني -إن صح التعبير- اليوم من حليفها الأمريكي الذي خَذَلها في سوريا، فقد كان متذبذبا بينها وبين الكردي؛ حيث كان يتبنى مواقف تدعم مطالب التركي في سوريا، وتارةً أخرى يقف مع الأكراد في وجه التركي نفسه. هذا الأمر كان يشكو منه التركي ويصرح عبر رئيسه أردوغان بأن الأمريكي عليه أن يختار بين الحليف التركي أو الكردي، في الجانب الآخر كذلك كان عدم الرضا من أكراد سوريا بالموقف الأمريكي غير الحاسم تجاه قضيتهم المحورية في سوريا وتجاه عدوهم التركي.

هذه الضبابية في نسج التحالفات بين أمريكا وحلفائها في الأزمة السورية خلقت القاعدة التي انطلق منها السوري وحلفاؤه من أجل اللعب بالمتناقضات في الدائرة التركية والكردية، والذي بدوره ترجم في الميدان العسكري بتحرير حلب وتدمر، والبادية السورية، وغوطة دمشق الشرقية، والأهم من ذلك الجنوب السوري.

إنَّ الأزمة السورية أظهرت التحالفات الكرتونية آنية الرؤية، والتي كانت ترتكز على الوعود الكاذبة في تحقيق المصالح اللحظية، واليوم فإنَّ أزمة حقيقة وقعت بين الحليفين التركي والأمريكي؛ حيث إنَّ الأخير ضحَّى بالتركي من أجل التقرب إلى من يفتح خزائنه كلما احتاج الأمريكي للمال، فتحكمت لعبة الأيديولوجيا السياسية، فحصل الابتعاد عن حليف لإرضاء حليف آخر.

الأزمة الحالية بين تركيا وأمريكا ليست بسبب قضية القس الأمريكي فقط؛ فهذه القضية قديمة، ولكن إثارتها الآن من الجانبيين هو بسبب إخفاق هذا التحالف في تحقيق ما رُسم تجاه الدولة السورية.

نتائج هذا الأزمة لها أسبابها، وفي السياسة دائماً التوقيت هو المهم؛ والسؤال: لماذا الآن وليس قبل ذلك؟ والجواب سنجده فيما تحقق من تقدم للجيش السوري، وفي تطور الأزمة الخليجية ووقوف تركيا مع قطر ضد السعودية والإمارات والبحرين ومصر؛ ولا ننسى وقوف أمريكا مع المكون الكردي في سوريا والذي كان من أهم ما كان يقلق تركيا، فهذه المعطيات كلها فجرت الأزمة التركية الأمريكية في هذا التوقيت بالذات.

إن من يقرأ السياسة جيداً؛ يعلم لماذا اتسعت الفجوة بين أمريكا وتركيا بهذا الشكل، وظهرت في مشكلة القس الأمريكي، التي كانت ذريعة لتفتيت تحالف شيطاني أريد منه تدمير سوريا وتقسيمها إلى دويلات وإعطاء تركيا نفوذاً اقتصاديًّا وسياسيًّا في الشمال السوري.

أعتقد أن تركيا ستدرك من خلال ما ستنتهي إليه الأزمة السورية ماذا تعني التحالفات الإستراتيجية الحقيقية من التحالفات الوقتية، وتركيا تعلم اليوم أنَّ الحليف الحقيقي هو الذي سندها في أزمتها إبان الانقلاب الفاشل، ولو على حساب الحليف السوري، وأعني هنا الروسي والإيراني اللذين يحاولان إرجاع تركيا إلى ما كانت عليه قبل عام 2011 تجاه سوريا، وهذا سنراه في معركة الشمال السوري.

فإذا أدركت تركيا خطأ تحالفها في الأزمة السورية سينتهي ملف الشمال السوري بأقل تكاليف، وسوف نرى سيناريو الغوطة الشرقية وجنوب سوريا يتكرر في محافظة إدلب الشمالية وما جوارها، وستكون رسالة قوية كذلك للمكوِّن الكردي في سوريا بأن الاستقواء بأمريكا لا ينفع قضيتهم، وما ينفعهم هو التفاهم مع الحكومة السورية، وهذا ما نشهده حالياً، وتبقى التحالفات القوية والإستراتيجية هي التي يكتب لها النجاح فقط.