لو كُنْتُ وزيرًا للسياحة!

سيف بن سالم المعمري

لم يعد النشاط السياحي بمفهومه التقليدي المتعلق بالترويح عن النفس والتنقل من مكان إلى آخر بل أصبح قطاعا اقتصاديا مهما، وأسهمت العولمة وما أحدثته شبكات الاتصالات الفضائية من جعل العالم قرية صغيرة، والذي انعكس بدوره على تنامي الحركة السياحية في العالم، واهتمت بها الحكومات اهتماما بالغا؛ لكونها أصبحت صناعة مستدامة، وأحد أهم الروافد الاقتصادية المتجددة.
ونتيجة للتحول الملحوظ الذي شهدته صناعة السياحة في العالم فقد سعى المختصون والدارسون إلى إيجاد مفاهيم وتعريفات موحدة لمفهوم السياحة والسائح والتي لا تزال محل عدم اتفاق حتى الآن؛ نتيجة للتطور المتسارع لصناعة السياحة، وأنواعها كالسياحة الترفيهية والدينية والرياضية والتعليمية والعلاجية وسياحة المؤتمرات ونحوها، وأركانها المتعلقة بوسائل التنقل، ومراكز الإيواء والأنشطة والبرامج السياحية، وكغيرها من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، فإنّ ذلك يرتبط بالاستقرار السياسي والأمني والموقع الجغرافي وتوفر كل الظروف الملائمة لإقامة السواح أفرادًا كانوا أم جماعات.
ولسنا في محل التفصيل فيها، لكن معرض حديثنا في هذا المقال يتعلق بالسياحة العُمانية وبالتحديد في محافظة ظفار، فمنذ أكثر من عشرة أعوام وأنا حاضر في كل موسم خريف، ورغم كل الظروف الملائمة أمامنا لأن نجعل من السياحة في المحافظة خلال فصل الخريف رافدا اقتصاديا لا يقل أهمية عن النفط والتجارة، لكن مشكلتنا –على ما يبدو- ليست في المقومات السياحية بل في إدارتها.
فلدينا وزارة السياحة والتي من المفترض أن تكون هي الجهة المعنية بكل تفاصيل هذا القطاع، لكننا لا نرى بصمتها للانتقال بسياحتنا من كونه نشاطًا ترفيهيا إلى صناعة مستدامة، فكثيرا ما تتقاذفني الأسئلة والتي لم أجد لها إجابات حتى الآن، إن كانت وزارة السياحة لم تستطع حتى الآن أن تحول السياحة في محافظة ظفار إلى صناعة، فمتى تستطيع إذن؟! قبل عدة أعوام تحول مسمى مهرجان خريف صلالة إلى مهرجان صلالة السياحي، وكنا نتوقع أن تكون مرحلة جديدة في تحوله من مهرجان إلى صناعة سياحية، لكن المهرجان لا يزال نسخة عتيقة جدا مكررة من مهرجان مسقط الذي تنظمه بلدية مسقط، ومهرجان صلالة وتنظمه بلدية ظفار ووزارة السياحة لها جناح في المهرجانين للتعريف بعثراتها، ولعلّ مسابقة الولايات- التي لم تقدم أي جديد- أبرز القواسم المشتركة بينهما، ناهيك عن ثلاثة أرباع المهرجان أجنحته للتعريف بالمؤسسات واللجان الحكومية والأهلية والتي لا تعني السائح غير العُماني أي شيء.
لو كنت وزيرا للسياحة لن أقبل إلا أن أمسك بزمام الأمر من الألف إلى الياء في كل ما يعنى بالصناعة السياحية في السلطنة، وسأعمل بمنهجية علمية أساسها ومنطقها الأرقام على الأرض، وليست الأحلام الوردية، فإن كانت رؤيتي أن أجعل السلطنة مقصدا لـ 11 مليون سائح سنويا من دول الخليج والدول العربية والعالم بحلول عام 2040 فإنّ عدم وصول زوار خريف صلالة لعام 2018 إلى 700 ألف زائر حتى لحظة نشر المقال- في الوقت الذي بدأ فيه العد التنازلي لانتهاء الموسم- يعني ذلك أنّ رؤيتي مجرد أضغاث أحلام.
ولو كنت وزيرا للسياحة لن أقبل التفاخر بوجود صناعة سياحية في محافظة ظفار بأقل من 5 ملايين زائر في كل موسم خلال العشرة أعوام المقبلة على الأقل، ويتضاعف الرقم إلى 3 أضعاف بحلول عام 2040م، فبينما نتفاخر نحن بزوار هذا الموسم والذي يعد استثنائيا في كل شيء بما دون 700 ألف زائر، هناك مهرجانات سياحة تسويقية في دول الجوار صنعت من اللاشيء، ويدخلها كل يوم ما يفوق الربع مليون زائر، أليس ذلك محلا للتعليل والتفسير والغيرة الحميدة!
لو كنت وزيرا للسياحة لوفرت أحد أهم البنى الأساسية التي يحتاجها السائح بوجود تلفريك يجوب كل مرتفعات جبال ظفار وقعر أوديتها ليتمتع السائح بلوحة الجمال الفريدة من نوعها في المنطقة العربية، حتى لو أقتصر عمل التلفريك في موسم الخريف لكان عائده لموسم واحد أو موسمين كاف لتغطية تكلفته.
ولو كنت وزيرا للسياحة لن أقبل إلا بإقامة أكبر حديقة مائية ترفيهية في محافظة ظفار والتي من خلالها أضمن تدفق السياح على المحافظة طوال العام، ولن أنفق ولا ريال واحد لإقامة المعارض التعريفية للسياحة في السلطنة والتي تكلفتها في حجز القاعات وأفخم الفنادق والمنتجعات وتكاليف سفر وبدلات موظفي السياحة يفوق مردودها المادي على السياحة في السلطنة، وبإمكاني التعريف بالسياحة في السلطنة من خلال تقنيات حديثة جدا لا تكلف شيء سوى إعمال فكر الشباب، فالتطبيقات الإلكترونية والمواد المصورة المبهرة، والمحتوى الرقمي والمعرفي والبصري للسلطنة ستصل إلى كل سياح العالم في دقائق معدودة دون أن تكلف وزارة السياحة نفسها للذهاب لبلدانهم.
ولو كنت وزيرًا للسياحة لسخرت كل موظفي الوزارة في كل المحافظات لاستقبال سياح محافظة ظفار عبر كل المنافذ الحدودية ولأجعل تنقل السائح من محافظة إلى أخرى وصولا إلى محافظة ظفار وهم مستمتعون بكل الفعاليات والأنشطة التعريفية والترويجية للسياحة في السلطنة، ولن أجد أي ضير أن أكون متواجدا في تلك المحطات وفي جميع المواقع السياحية في محافظة ظفار في موسم الخريف، لأستمع وأشاهد مدى الاستمتاع الذي يعيشه السائح في السلطنة وماذا يمكن أن ينقل عن السلطنة؟ فأن ينقل السائح سمعة سياحية مبهرة عن السلطنة وعن خريف صلالة يعني ذلك أنّه اختصر عليّ المال والوقت في الدعاية والترويج لسياحتنا..
وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

Saif5900@gmail.com