زاهر بن حارث المحروقي
لا يستطيع من لا يملك قلبًا قويّا، أن يشاهد مقاطع فيديو أو صورٍ لأشلاء الأطفال اليمنيين الذين استُشهدوا، والذين أصيبوا إصابات بالغة، يوم الخميس الماضي التاسع من أغسطس 2018؛ حيث استهدفت غارة جوية لقوات ما يسمى التحالف في اليمن بقيادة السعودية حافلةً كانت تقل العشرات من الأطفال، إلى أحد المراكز الصيفية الخاصة بتعليم القرآن الكريم في مدينة ضحيان بمحافظة صعدة. فمناظرُ تلك الجثث والأشلاء كانت مرعبة وتقشعّر لها الأبدان.
ومن يشاهد تلك الصور، فكأنّه يشاهد صور مذبحة "قانا" الثانية، التي ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين اللبنانيين في الثلاثين من يوليو عام 2006، والتي سقط جراءها حوالي 55 شخصًا، عدد كبير منهم كان من الأطفال الصغار. ولم يقتصر التشابه بين مذبحتَيْ ضحيان وقانا في أنهما وقعتا ضد الأطفال فقط، بل تكاد تكون مبررات المذبحتين متشابهة؛ فقد كانت حجة إسرائيل أنّ قانا كانت منصة لاستخدام الصواريخ التي كانت تُطلق على إسرائيل من حزب الله، خلال عملية "الصيف الساخن" في لبنان؛ فيما كانت مبررات السعودية، على لسان العقيد تركي المالكي المتحدث باسم التحالف أنّ "الاستهداف الذي تمّ في محافظة صعدة عملٌ عسكريّ مشروع، لاستهداف العناصر التي خطّطت ونفذّت استهداف المدنيين في مدينة جازان، وقتلت وأصابت المدنيين"، في إشارة إلى صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون مساء الأربعاء، الثامن من أغسطس، باتجاه المدينة الصناعية السعودية، وأدى إلى وفاة شخص واحد. وهكذا فإنّ الحرب كذلك في الحالتين قد تشابهت؛ فالأولى ضد "حزب الله"، والثانية ضد "أنصار الله"، وبالتأكيد فالهدفُ أيضًا يصبُّ في مصلحة واحدة، لأنّ الإثنين متّهمان بأنّهما أذرع إيرانية في المنطقة.
مسألة استهداف المدنيين اليمنيين أصبحت مسألة عادية ولا جديد فيها من كثرة ما حدثت. وحتى الآن لا يُعرف العدد الحقيقي لضحايا العدوان على اليمن؛ إلا أنّ منظمة "هيومن رايتس ووتش" ذكرت في موقعها على شبكة الإنترنت، أنّ عدد من قُتل من المدنيين اليمنيين منذ انطلاق الحرب وحتى شهر نوفمبر من العام الماضي، بلغ خمسة آلاف ومائتين وخمسة وتسعين مدنيّا، وجُرح ثمانية آلاف وثمانمائة وثلاثة وسبعون آخرون، وفقًا لـ "مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان"، رغم أنّه يُرجّج أنّ عدد الضحايا الفعلي أعلى بكثير، هذا إذا أضفنا الفترة الزمنية من نوفمبر الماضي وحتى الآن، وكذلك ضحايا مجزرة ضحيان.
الجديدُ؛ هو فيما قاله الناطق الرسمي باسم التحالف، من أنّ استهداف المدنيين ومنهم الأطفال هو "عملٌ مشروع"؛ ولم يكتف بذلك رغم كلِّ ما في تلك العبارة، بل أضاف أنه "تم تنفيذه بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقواعده"؛ واتهم الحوثيين بالعمل على تجنيد الأطفال. وما قاله الناطق باسم التحالف يتنافى تمامًا مع مقاطع الفيديو، والصور التي نُشرت من موقع المجزرة ومن المستشفيات التي نقل إليها الأطفال المصابون؛ فواضحٌ جدًا أنّ أعمار معظم أولئك الأطفال كانوا صغارا، وتظهر في موقع الحادث حقائب مدرسية وكتب ودفاتر وأقلام مع الأشلاء والدماء.
عندما أفكِّر في كلام هذا الناطق بأنّ قتل الأطفال هو عملٌ مشروع، وأقارن بينه وبين ما قيل عن أبي جهل (عمرو بن هشام)، ليلة هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنورة، أجد أنّ المقارنة في صالح أبي جهل؛ لأنه كان شريفًا في موقفه. فبعد أن انتشر خبر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر الصدّيق، سئل أبو جهل: كيف تترك محمدًا يخرج من بين أيديكم، ويلحق بصاحبه أبي بكر، فيغادران إلى يثرب؟ لِمَ لم تكسر الباب عليه وتأخذه من سريره؟ فأجاب: لتقول العرب روّع عمرو بن هشام بنات محمد وهتك حرمة بيته؟. لقد رفض أبو جهل مجرد ترويع بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك هتك بيته، رغم العداوة الشديدة التي كان يكنها له. فما بالُ أقوام يقتلون الشيوخ والرجال والنساء، ويثكلون الأمهات، وييتِّمون الأبناء، ويقتلون الأطفال دون أيّ ذنب ارتكبوه، ثم يقولون إنّه عملٌ مشروع؟!. بعد كل ذلك، يحق لنا أن نتساءل: أليس من حقّ اليمنيين أن يدافعوا عن أنفسهم وعن بلدهم، وهم الذين لم يخرجوا من بلادهم ليغزوا بلدانًا أخرى؟.
المثير أنّ إعلام دول التحالف يصرخ ويولول دائمًا، عندما يوجِّه اليمنيون صاروخّا واحدًا داخل أراضي الدول التي تشن غارات جوية على اليمن، في حين يتناسون الآلاف من الأبرياء اليمنيين الذين تُسكب عليهم آلاف الأطنان من القذائف المحرّمة وغير المحرّمة، وهم الذين كانوا آمنين في أوطانهم، ولم يعتدوا على أحد.