عمان التي أحبت الجميع

 

زينب الغريبي

إنَّ الذين يحملون طاقة الحب لا يُمكن إلا أن يحظوا بحب الجميع، لأنَّ الحب يمد جسور ولا يقطعها، وهكذا عُمان الدولة التي تحظى بحب الجميع رغم اختلاف البعض مع توجهاتها، ورغم استياء البعض من مواقفها، ورغم انبهار البعض من تاريخها، ورغم تندر البعض على صمتها، ورغم استفزاز البعض لحلمها، إلا أنَّ عمان حلمها أبلغ من أن يستفز، وصمتها لا يُمكن أن ينطق إلا بحكمة وعقل، والاستياء منها يُقابل منها بالاحترام، ولذا يستغرب البعض لم ظل العرب يجمعون على حب عُمان، رغم المشاحنات الثنائية بين دولة وأخرى، وبين تجمع دول ضد أخرى، لاشك أننا لابد أن نتأمل في هذا المكسب الكبير الذي حصلنا عليه، نتأمل فيها لا لكي نزداد زهوا، ولا إعجابا بالذات، ولا لكي ننظر إلى الآخرين من أعلى، ولكن لكي نقف على الدروس التي نستفيد منها ويستفيد منها غيرنا.

عُمان التي يحبها الجميع، لأنها سعت دائمًا إلى شيئين على قدر كبير من الأهمية؛ الأول غرس المحبة من خلال احترام كل مجتمع وبلد وعدم السعي إلى التدخل فيه بأي شكل من الأشكال، أما الأمر الثاني فإنها تجنبت الإساءة، أو التعامل مع المسيئين دولا أو أفرادا، سياسيين أو متدينين، أو إفساح المجال في إعلامها أو مؤتمراتها أو لسكانها لازدراء الشعوب الأخرى، أو التحريض عليها، ولذا فمن يزرع المحبة لن يحصد إلا المحبة فهي النتيجة لهذه المعادلة الإنسانية، التي تحتاجها المنطقة حاليًا، بعد فشل كل المعادلات الدينية والسياسية في تحقيق أي نجاح، أو في زرع أي أمل في المُستقبل، ولذا لا شيء يمكن أن نواجه به كل هذه الكراهيات إلا المحبة.

عمان تحب الجميع ويحبها الجميع، ثابتة لا تغير موقفها، يعاديها البعض اليوم ويحرضون عليها، وفي الغد يعودون إليها فلا تحاسبهم على ما بدر منهم ولكن تستقبلهم وكأن شيئا لم يحصل، لأنَّ الذين يحبون لا ينتقمون ولا يشمتون ولا يتشفون بالآخرين، أذكر أنني حضرت مؤتمراً قبل الأزمة الخليجية، وكان الحديث يومها كله ضد عُمان على أنها الدولة التي منعت قيام الاتحاد الخليجي، وخرج أحد الأكاديميين مطالباً بإخراجها بطريقة غير مباشرة، وما هي إلا سنوات إلا وانقلبت الأمور على هذا الأخ ومجتمعه ليس من عُمان ولكن من الدول التي كان يصطف معها، وعندما شدد الجميع مواقفهم وقفت عُمان لم تتغير، ولن تتغير ولن ترضى بسياسات التقسيم والتحريض والكراهية بين الأشقاء، وهذا موقف واحد من عشرات المواقف التي جعلت عُمان موضع احترام لأنها لا تغلق باباً أمام شقيق سواء كان مصيباً أو مُخطئاً.

إنَّ عُمان تُدرك في كل مواقفها الحكومية والشعبية أن الدرب الواقي لأي بلد لا يمكن في قوته الاقتصادية ولا قوته العسكرية ولا الأمنية رغم أهميتها التي لا ينكرها أحد إنما يكمن في مدى قدرته على أن يحب الآخرين، وفي أن يصنع مكانة له أيضاً لدى الآخرين، عادة لا يعدون قوائم للدول الصديقة لأنَّ القائمة قد تكون طويلة، ولكن تعد القائمة للدول المسيئة والمارقة، ولذا لا نجد عمان في القوائم القصيرة التي تتبدل أسماء الدول فيها، لأنها دولة أحبها الجميع ووثقوا فيها سواء كان الأشقاء أو الدول الكبرى، وأتصور أنَّ هذه المحبة تمثل أيضا مصدر ثراء كبير وموردا إنسانيا يمكن أن يحقق نتائج اقتصادية كبيرة، وإذا كان المستثمرون يبحثون عن امتيازات وتسهيلات لكي يستقرون في بلد، فإنَّ الناس العاديين يبحثون عن المحبة وعدم الإساءة للدول التي يزورونها أو يستقرون فيها، وعمان هي الدولة التي ترفع راية المحبة في الوقت الذين يرفعون راية الحرب لأنها تثق أن راية المحبة تؤتي ثمارا لا يُمكن أن تؤتيها راية الحرب التي تمزق القلوب، وتشتت الشعوب.