"أجهزة ضبط السرعة المخفية"

 

طالب المقبالي

لم أكن أتمنى أن أرى في سلطنة عُمان أجهزة لضبط المخالفين الذين يتجاوزون السرعة المُحددة قانونياً في طرقات البلاد لسبب واحد وهو أنَّ سلطنة عُمان بلد النظام والانضباط والالتزام بالقوانين.

فأجهزة ضبط السرعة وُضِعت لضبط الأشخاص المُخالفين وغير المنضبطين وهذا أمر مؤسف أن تضم السلطنة أشخاصاً يخالفون القوانين.

كم هو جميل أن تختفي هذه الأشباح المنصوبة في مختلف طرقات السلطنة، فوجودها يحسسنا بأننا لسنا منضبطين وبالتالي وضعت هذه الأجهزة لتأديبنا. فكم هي الحياة جميلة أن يُحاسب الإنسان نفسه قبل أن تُحاسب ويلتزم بالقوانين وبالسرعة القانونية.

 فمتى يمكننا أن نصل إلى هذه المرحلة، وهل سيأتي اليوم الذي تختفي فيه هذه الأجهزة وتصبح طرقاتنا هادئة وديعة خالية من السرعات الجنونية وخالية من الحوادث المرورية.

لا شيء مستحيل ولكن نحتاج إلى وعي وثقافة واسعة وإحساس بالمسؤولية، فالمدينة الفاضلة يُمكن تحقيقها، فهناك من يتبجح ويقول بأن عُمان ليست بالمدينة الفاضلة! لم لا؟ فالمدينة الفاضلة هي ليست الأرض، وإنما أخلاق من يعيشون عليها، فإذا أصلحنا أنفسنا ستكون بلادنا فاضلة بإذن الله.

ما دفعني إلى كتابة هذا المقال هي صورة انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن قيام شرطة عُمان السلطانية قبل أيام بتركيب جهاز ضبط السرعة بالطريق الجديد بمنطقة العراقي بولاية الرستاق، فعلقتُ على الصورة حامداً الله تعالى على ذلك وشاكراً لرجال شرطة عُمان السلطانية مساعيهم الرامية وسعيهم الدؤوب إلى تحقيق أمن وسلامة مرتادي الطريق قدر المستطاع، وطالبت في تعليقي بإعادة تركيب جهاز ضبط السرعة الذي أزيل من أمام جامع السلطان قابوس من أجل إعادة صيانة الطريق.

ولعل هذه المطالبة تثير حفيظة البعض وتصيبهم بالدهشة من هذا الطلب الذي يعتبر غريباً في بلادنا إلى حدٍ ما.

وفي تعليق آخر طرحت مقارنة بين أجهزة ضبط السرعة الثابتة وبين أجهزة ضبط السرعة المتحركة والمخفية.

فأجهزة ضبط السرعة الثابتة أنجع وأكثر فاعلية من أجهزة ضبط السرعة المتحركة والمخفية.

فالأجهزة الثابتة تجبر قائد المركبة على الالتزام بالسرعة القانونية فيخفض من سرعته وبالتالي تقل الخطورة من وقوع الحوادث بسبب السرعة الزائدة.

أما الأجهزة المتحركة والأجهزة المخفية فهي غير مجدية ولا تحد من السرعة، وبالتالي تبقى الخطورة قائمة، فالجهاز المخفي لا يحقق سوى هدف واحد وهو تحصيل العائد المادي من المخالفة، أما السرعة فستبقى كما هي لأنّ الجهاز مخفي، وهناك احتمال في زهق الأرواح، وبالتأكيد ليس هدف الشرطة جمع المال، وإنما الحد من السرعات الجنونية، إلا أنه في ظل إخفاء الجهاز فإنَّ السرعة ستبقى كما هي والخطورة ستبقى قائمة وحتمية، والعقوبة مؤجلة.

فكلما شاهدت أجهزة ضبط السرعة، وأشاهد يومياً المخالفات المرورية أسترجع ذكريات خمسة وثلاثين عاماً نظيفة في حياتي، خمسة وثلاثون عاماً بسجل خالٍ من المخالفات المرورية، ومن الحوادث التي تسببت فيها الأخطاء، ومن مخالفات أجهزة ضبط السرعة الثابتة منها أو المتحركة أو المخفية، ومن مخالفات ربط الحزام.

ذات مرة كنت في اجتماع لجنة السلامة المرورية، وكان إلى يميني أحد ضباط شرطة عُمان السلطانية، وكنَّا في حديث جانبي عن الحوادث وعن أجهزة ضبط السرعة، فقلت له مازحاً "إلى الآن عجزت أجهزتكم المكشوفة والمتحركة والمخفية من تسجيل أي مخالفة عليَّ على مدى 35 سنة.

اندهش الرجل واستغرب وقال في لهفة كيف؟ فقلت له: لا شيء أجمل من النظام واحترام القانون، فأنا نشأت في أسرة علمتني منذ نعومة أظفاري أن كل ممنوع حرام، وهذا ليس في الدين فحسب، بل وفي جميع مناحي الحياة.

فمثلاً علمتني إماطة الأذى عن الطريق، وإلى اليوم كلما مررت على حجارة أو قمامة مرمية على الطريق تأبي نفسي إلا أن أزيلها قدر المستطاع، وعلمتني احترام الصغير وتوقير الكبير، وعلمتني أن خيركم من يبدأ بالسلام، وعلمتني أن الممتلكات العامة لي وللجميع فيجب المحافظة عليها، وعلمتني أهم قاعدة وهي أنني إذا أردت الإقدام على فعل شيء وخشيت العقوبة فإنّ ذلك حرام، والله عز وجل يعاقب عليه يوم القيامة وإن سلمتُ من عقاب الدنيا.

فمن هنا يجب أن نتعلم ونعلم الأجيال ونغرس في نفوسهم مثل هذه القيم.

نحن لا ندعي المثالية ولا نقول بأننا معصومون من الخطأ، ولكن يجب أن نبتعد عن الأشياء التي تضر بنا وتضر بالآخرين وتؤدي إلى الهلاك، فالحكومة لم تمنع شيئاً إلى وفيه مصلحة لنا ولسلامتنا.

وهناك موقف طريف حدث لي قبل سنوات، كنت ذات مرة في طريقي إلى خارج البلد قبل الفجر بساعة وكانت إشارة المرور حمراء، فقلت لمرافقي مازحاً ما رأيك في أن اتجاوز الإشارة الحمراء، فقال تجاوزها فالطريق خالٍ من المركبات وخال من المارة، ولا توجد شرطة، فقلت له: لا يا صديقي فالحرام حرام، فإن تجاوزت الإشارة فسأهدم مبادئئ وقيم تربيت عليها وتعب والداي رحمهما الله في غرسها بداخلي.

muqbali@gmail.com